للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَابٌ فِي أَنَّ الْمَضْمُونَ عَنْهُ إنَّمَا يَبْرَأُ بِأَدَاءِ الضَّامِنِ لَا بِمُجَرَّدِ ضَمَانِهِ

٢٣٠٧ - (عَنْ جَابِرٍ قَالَ «تُوُفِّيَ رَجُلٌ فَغَسَّلْنَاهُ وَحَنَّطْنَاهُ وَكَفَّنَّاهُ، ثُمَّ أَتَيْنَا بِهِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْنَا: تُصَلِّي عَلَيْهِ، فَخَطَا خُطْوَةً ثُمَّ قَالَ: أَعَلَيْهِ دَيْنٌ؟ قُلْنَا: دِينَارَانِ، فَانْصَرَفَ فَتَحَمَّلَهُمَا أَبُو قَتَادَةَ، فَأَتَيْنَاهُ فَقَالَ أَبُو قَتَادَةَ: الدِّينَارَانِ عَلَيَّ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قَدْ أَوْفَى اللَّهُ حَقَّ الْغَرِيمِ وَبَرِئَ مِنْهُ الْمَيِّتُ، قَالَ: نَعَمْ، فَصَلَّى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ بِيَوْمٍ: مَا فَعَلَ الدِّينَارَانِ؟ قَالَ: إنَّمَا مَاتَ أَمْسِ، قَالَ: فَعَادَ إلَيْهِ مِنْ الْغَدِ، فَقَالَ: قَدْ قَضَيْتُهُمَا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: الْآنَ بَرَدَتْ عَلَيْهِ جِلْدُهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ،

ــ

[نيل الأوطار]

الْجُمْهُورُ وَأَجَازَ مَالِكٌ لِلضَّامِنِ الرُّجُوعَ عَلَى مَالِ الْمَيِّتِ إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا تَصِحُّ الضَّمَانَةُ إلَّا بِشَرْطِ أَنْ يَتْرُكَ الْمَيِّتُ وَفَاءَ دَيْنِهِ وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ وَالْحِكْمَةُ فِي تَرْكِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصَّلَاةَ عَلَى مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ تَحْرِيضُ النَّاسِ عَلَى قَضَاءِ الدُّيُونِ فِي حَيَاتِهِمْ وَالتَّوَصُّلُ إلَى الْبَرَاءَةِ لِئَلَّا تَفُوتُهُمْ صَلَاةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَهَلْ كَانَتْ صَلَاتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ أَوْ جَائِزَةً؟ وَجْهَانِ قَالَ النَّوَوِيُّ: الصَّوَابُ الْجَزْمُ بِجَوَازِهَا مَعَ وُجُودِ الضَّامِنِ كَمَا فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ وَحَكَى الْقُرْطُبِيُّ أَنَّهُ رُبَّمَا كَانَ يَمْتَنِعُ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى مَنْ ادَّانَ دَيْنًا غَيْرَ جَائِزٍ

وَأَمَّا مِنْ اسْتَدَانَ لَأَمْرٍ هُوَ جَائِزٌ فَمَا كَانَ يَمْتَنِعُ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّعْمِيمِ حَيْثُ قَالَ فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ «مَنْ تُوُفِّيَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ» وَلَوْ كَانَ الْحَالُ مُخْتَلِفًا لَبَيَّنَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَعَمْ جَاءَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا امْتَنَعَ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ جَاءَهُ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَقَالَ: إنَّمَا الظَّالِمُ فِي الدُّيُونِ الَّتِي حُمِلَتْ فِي الْبَغْيِ وَالْإِسْرَافِ، فَأَمَّا الْمُتَعَفِّفُ وَذُو الْعِيَالِ فَأَنَا ضَامِنٌ لَهُ أُؤَدِّي عَنْهُ، فَصَلَّى عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ ذَلِكَ وَقَالَ: مَنْ تَرَكَ ضَيَاعًا» الْحَدِيثَ قَالَ الْحَافِظُ: وَهُوَ ضَعِيفٌ وَقَالَ الْحَازِمِيُّ بَعْدَ أَنْ أَخْرَجَهُ: لَا بَأْسَ بِهِ فِي الْمُبَايَعَاتِ، وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّ التَّفْضِيلَ الْمَذْكُورَ كَانَ مُسْتَمِرًّا، وَإِنَّمَا فِيهِ أَنَّهُ طَرَأَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ السَّبَبُ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ تَرَكَ دَيْنًا فَعَلَيَّ» وَفِي صَلَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ بَعْدَ أَنْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ كَانَ يَقْضِيهِ مِنْ مَالِ الْمَصَالِحِ

وَقِيلَ: بَلْ كَانَ يَقْضِيهِ مِنْ خَالِصِ مِلْكِهِ وَهَلْ كَانَ الْقَضَاءُ وَاجِبًا عَلَيْهِ أَمْ لَا؟ فِيهِ وَجْهَانِ قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: وَهَكَذَا يَلْزَمُ الْمُتَوَلِّي لِأَمْرِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَفْعَلهُ بِمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَالْإِثْمُ عَلَيْهِ إنْ كَانَ حَقُّ الْمَيِّتِ فِي بَيْتِ الْمَالِ يَفِي بِقَدْرِ مَا عَلَيْهِ وَإِلَّا فَبِقِسْطِهِ قَوْلُهُ: (فَعَلَيَّ) قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: هَذَا نَاسِخٌ لِتَرْكِ الصَّلَاةِ عَلَى مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَقَدْ حَكَى الْحَازِمِيُّ إجْمَاعَ الْأُمَّةِ عَلَى ذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>