بَابُ الْحَجْرِ عَلَى الْمَدِينِ وَبَيْعِ مَالِهِ فِي قَضَاءِ دَيْنِهِ
ــ
[نيل الأوطار]
غَيْرِهِ وَاحْتَجَّ الْأَوَّلُونَ بِالرِّوَايَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ الْمُصَرِّحَةِ بِالْبَيْعِ، قَالُوا: فَتُحْمَلُ الرِّوَايَاتُ الْمُطْلَقَةُ عَلَيْهَا وَلَكِنَّهُ لَا يَخْفَى أَنَّ التَّصْرِيحَ بِالْبَيْعِ لَا يَصْلُحُ لِتَقْيِيدِ الرِّوَايَاتِ الْمُطْلَقَةِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ غَيْرَ الْبَيْعِ بِخِلَافِهِ بِمَفْهُومِ اللَّقَبِ، وَمَا كَانَ كَذَلِكَ لَا يَصْلُحُ لِلتَّقْيِيدِ إلَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي ثَوْرٍ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ
وَرُبَّمَا يُقَالُ إنَّ الْمُصَرَّحَ بِهِ هُنَا هُوَ الْوَصْفُ فَلَا يَكُونُ مِنْ مَفْهُومِ اللَّقَبِ قَوْلُهُ: " وَلَمْ يَكُنْ اقْتَضَى مِنْ مَالِهِ شَيْئًا " فِيهِ دَلِيلٌ لِمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْجُمْهُورُ مِنْ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا كَانَ قَدْ قَضَى بَعْضَ الثَّمَنِ لَمْ يَكُنِ الْبَائِعُ أَوْلَى بِمَا لَمْ يُسَلِّمْ الْمُشْتَرِي ثَمَنَهُ مِنْ الْمَبِيعِ بَلْ يَكُونُ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْهَادَوِيَّةُ: إنَّ الْبَائِعَ أَوْلَى بِهِ، وَالْحَدِيثُ يَرُدُّ عَلَيْهِمْ
١ -
قَوْلُهُ: " وَإِنْ مَاتَ الْمُشْتَرِي. . . إلَخْ " فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا مَاتَ وَالسِّلْعَةُ الَّتِي لَمْ يُسَلِّمْ الْمُشْتَرِي ثَمَنَهَا بَاقِيَةٌ لَا يَكُونُ الْبَائِعُ أَوْلَى بِهَا، بَلْ يَكُونُ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ، وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الْبَائِعُ أَوْلَى بِهَا وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ: " مَنْ أَفْلَسَ أَوْ مَاتَ. . . إلَخْ " وَرَجَّحَهُ الشَّافِعِيُّ عَلَى الْمُرْسَلِ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ قَالَ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ آخِرُهُ مِنْ رَأْيِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، لِأَنَّ الَّذِينَ وَصَلُوهُ عَنْهُ لَمْ يَذْكُرُوا قَضِيَّةَ الْمَوْتِ، وَكَذَلِكَ الَّذِينَ رَوَوْهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ غَيْرُهُ لَمْ يَذْكُرُوا ذَلِكَ، بَلْ صَرَّحَ بَعْضُهُمْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِالتَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْإِفْلَاسِ وَالْمَوْتِ كَمَا ذَكَرْنَا قَالَ فِي الْفَتْحِ: فَتَعَيَّنَ الْمَصِيرُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ مَقْبُولَةٌ مِنْ ثِقَةٍ قَالَ: وَجَزَمَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ بِأَنَّ الزِّيَادَةَ الَّتِي فِي مُرْسَلِ مَالِكٍ مِنْ قَوْلِ الرَّاوِي وَجَمَعَ الشَّافِعِيُّ أَيْضًا بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ بِحَمْلِ مُرْسَلِ أَبِي بَكْرٍ عَلَى مَا إذَا مَاتَ مَلِيئًا، وَحَمْلِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَلَى مَا إذَا مَاتَ مُفْلِسًا
وَقَدْ اسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ " أَوْ مَاتَ " عَلَى أَنَّ صَاحِبَ السِّلْعَةِ أَوْلَى بِهَا وَلَوْ أَرَادَ الْوَرَثَةُ أَنْ يُعْطُوهُ ثَمَنَهَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ ذَلِكَ وَلَا يَلْزَمُهُ الْقَبُولُ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَقَالَ مَالِكٌ: يَلْزَمُهُ الْقَبُولُ وَقَالَتْ الْهَادَوِيَّةُ: إنَّ الْمَيِّتَ إذَا خَلَّفَ الْوَفَاءَ لَمْ يَكُنِ الْبَائِعُ أَوْلَى بِالسِّلْعَةِ وَهُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ؛ لِأَنَّ الْحَدِيثَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَوْتَ مِنْ مُوجِبَاتِ اسْتِحْقَاقِ الْبَائِعِ لِلسِّلْعَةِ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ عَطْفُهُ عَلَى الْإِفْلَاسِ
وَاسْتُدِلَّ بِأَحَادِيثِ الْبَابِ عَلَى حُلُولِ الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ بِالْإِفْلَاسِ قَالَ فِي الْفَتْحِ: مِنْ حَيْثُ إنَّ صَاحِبَ الدَّيْنِ أَدْرَكَ مَتَاعَهُ بِعَيْنِهِ فَيَكُونُ أَحَقَّ بِهِ، وَمِنْ لَوَازِمِ ذَلِكَ أَنَّهَا تَجُوزُ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِالْمُؤَجَّلِ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ، لَكِنَّ الرَّاجِحَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الْمُؤَجَّلَ لَا يَحِلُّ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ حَقٌّ مَقْصُودٌ لَهُ فَلَا يَفُوتُ وَهُوَ قَوْلُ الْهَادَوِيَّةِ وَقَدْ اُسْتُدِلَّ أَيْضًا بِأَحَادِيثِ الْبَابِ عَلَى أَنَّ لِصَاحِبِ الْمَتَاعِ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْ غَيْرِ حُكْمِ حَاكِمٍ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَهُوَ الْأَصَحُّ مِنْ قَوْلِ الْعُلَمَاءِ وَقِيلَ: يَتَوَقَّفُ عَلَى الْحُكْمِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute