للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَابُ مَا يَحِلُّ لِوَلِيِّ الْيَتِيمِ مِنْ مَالِهِ بِشَرْطِ الْعَمَلِ وَالْحَاجَةِ

ــ

[نيل الأوطار]

عَطِيَّةَ " فَمَنْ كَانَ مُحْتَلِمًا " وَقَدْ حَكَى صَاحِبُ الْبَحْرِ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ الِاحْتِلَامَ مَعَ الْإِنْزَالِ مِنْ عَلَامَاتِ الْبُلُوغِ فِي الذَّكَرِ.

وَلَمْ يَجْعَلْهُ الْمَنْصُورُ بِاَللَّهِ عَلَامَةً فِي الْأُنْثَى قَوْلُهُ: " وَلَا صُمَاتَ. . . إلَخْ " الصُّمَاتُ: السُّكُوتُ قَالَ فِي الْقَامُوسِ: وَمَا ذُقْتُ صَمَاتًا كَسَحَابٍ شَيْئًا، وَلَا صَمْتَ يَوْمًا أَوْ يَوْمٌ أَوْ يَوْمٍ إلَى اللَّيْلِ، أَيْ: لَا يُصْمَتُ يَوْمٌ تَامٌّ. انْتَهَى

قَوْلُهُ: (فَلَمْ يُجِزْنِي) وَقَوْلُهُ " فَأَجَازَنِي " الْمُرَادُ بِالْإِجَازَةِ: الْإِذْنُ بِالْخُرُوجِ لِلْقِتَالِ، مِنْ أَجَازَهُ: إذَا أَمْضَاهُ وَأَذِنَ لَهُ، لَا مِنْ الْجَائِزَةِ الَّتِي هِيَ الْعَطِيَّةُ كَمَا فَهِمَهُ صَاحِبُ ضَوْءِ النَّهَارِ، وَقَدْ اسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ هَذَا مَنْ قَالَ: إنَّ مُضِيَّ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً مِنْ الْوِلَادَةِ يَكُونُ بُلُوغًا فِي الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ وَتَعَقَّبَ ذَلِكَ الطَّحَاوِيُّ وَابْنُ الْقَصَّارِ وَغَيْرُهُمَا بِأَنَّهُ لَا دَلَالَةَ فِي الْحَدِيثِ عَلَى الْبُلُوغِ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَتَعَرَّضْ لِسِنِّهِ، وَإِنْ فُرِضَ خُطُورُ ذَلِكَ بِبَالِ ابْنِ عُمَرَ، وَيَرُدُّ هَذَا التَّعْقِيبَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الزِّيَادَةِ فِي الْحَدِيثِ أَعْنِي قَوْلَهُ: " وَلَمْ يَرَنِي بَلَغْت " وَقَوْلُهُ " وَرَآنِي بَلَغْت " وَالظَّاهِرُ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ لَا يَقُولُ هَذَا بِمُجَرَّدِ الظَّنِّ مِنْ دُونِ أَنْ يَصْدُرَ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: بَلْ مُضِيُّ ثَمَانَ عَشْرَةَ سَنَةً لِلذَّكَرِ وَسَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً لِلْأُنْثَى قَوْلُهُ: " فَكَانَ مَنْ أَنْبَتَ. . . إلَخْ " اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ: إنَّ الْإِنْبَاتَ مِنْ عَلَامَاتِ الْبُلُوغِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَتْ الْهَادَوِيَّةُ.

وَقَيَّدُوا ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْإِنْبَاتُ بَعْدَ التِّسْعِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ قَتْلَ مَنْ أَنْبَتَ لَيْسَ مِنْ أَجْلِ التَّكْلِيفِ بَلْ لِرَفْعِ ضَرَرِهِ لِكَوْنِهِ مَظِنَّةً لِلضَّرَرِ كَقَتْلِ الْحَيَّةِ وَنَحْوِهَا وَرُدَّ هَذَا التَّعَقُّبُ بِأَنَّ الْقَتْلَ لِمَنْ كَانَ كَذَلِكَ لَيْسَ لِأَجْلِ الْكُفْرِ لَا لِدَفْعِ الضَّرَرِ لِحَدِيثِ: «أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» وَطَلَبُ الْإِيمَانِ وَإِزَالَةُ الْمَانِعِ مِنْهُ فَرْعُ التَّكْلِيفِ وَيُؤَيِّدُ هَذَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَغْزُو إلَى الْبِلَادِ الْبَعِيدَةِ كَتَبُوكَ وَيَأْمُرُ بِغَزْوِ أَهْلِ الْأَقْطَارِ النَّائِيَةِ مَعَ كَوْنِ الضَّرَرِ مِمَّنْ كَانَ كَذَلِكَ مَأْمُونًا، وَكَوْنُ قِتَالِ الْكُفَّارِ لِكُفْرِهِمْ هُوَ مَذْهَبُ طَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ

وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى إلَى أَنَّ قِتَالَهُمْ لِدَفْعِ الضَّرَرِ، وَالْقَوْلُ بِهَذِهِ الْمَقَالَةِ هُوَ مَنْشَأُ ذَلِكَ التَّعَقُّبِ وَمِنْ الْقَائِلِينَ بِهَذَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ حَفِيدُ الْمُصَنِّفِ وَلَهُ فِي ذَلِكَ رِسَالَةٌ قَوْلُهُ: (شَرْخُهُمْ) بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا خَاءٌ مُعْجَمَةٌ. قَالَ فِي الْقَامُوسِ: هُوَ أَوَّلُ الشَّبَابِ انْتَهَى، وَقِيلَ: هُمْ الْغِلْمَانُ الَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا، وَحَمَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَلَى مَنْ لَمْ يُنْبِتْ مِنْ الْغِلْمَانِ وَلَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ، وَإِنْ كَانَ أَوَّلُ الشَّبَابِ يُطْلَقُ عَلَى مَنْ كَانَ فِي أَوَّلِ الْإِنْبَاتِ، وَالْمُرَادُ بِالْإِنْبَاتِ الْمَذْكُورِ فِي الْحَدِيثِ هُوَ إنْبَاتُ الشَّعْرِ الْأَسْوَدِ الْمُتَجَعِّدِ فِي الْعَانَةِ، لَا إنْبَاتُ مُطْلَقِ الشَّعْرِ فَإِنَّهُ مَوْجُودٌ فِي الْأَطْفَالِ

<<  <  ج: ص:  >  >>