للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[نيل الأوطار]

الْبَيْهَقِيُّ: لَمْ نَجِدْ فِي السُّنَنِ الصَّحِيحَةِ مَا يُعَارِضُ هَذَا الْحُكْمَ إلَّا عُمُومَاتٌ لَا يُسْتَنْكَرُ أَنْ يَخُصَّهَا، وَحَمَلَ بَعْضُهُمْ الْحَدِيثَ عَلَى مَا إذَا تَقَدَّمَ اسْتِئْذَانُ الْجَارِ كَمَا وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد بِلَفْظِ: «إذَا اسْتَأْذَنَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ» وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ «مَنْ سَأَلَهُ جَارُهُ» وَكَذَا فِي رِوَايَةٍ لِابْنِ حِبَّانَ، فَإِذَا تَقَدَّمَ الِاسْتِئْذَانُ لَمْ يَكُنْ لِلْجَارِ الْمَنْعُ إلَّا إذَا لَمْ يَتَقَدَّمْ قَوْلُهُ: " فِي جِدَارِهِ " الظَّاهِرُ عَوْدُ الضَّمِيرِ إلَى الْمَالِكِ: أَيْ: فِي جِدَارِ نَفْسِهِ وَقِيلَ: الضَّمِيرُ يَعُودُ عَلَى الْجَارِ الَّذِي يُرِيدُ الْغَرْزَ: أَيْ: لَا يَمْنَعْهُ مِنْ وَضْعِ خَشَبِهِ عَلَى جِدَارِ نَفْسِهِ وَإِنْ تَضَرَّرَ بِهِ مِنْ جِهَةِ مَنْعِ الضَّوْءِ مَثَلًا

وَوَقَعَ لِأَبِي عَوَانَةَ مِنْ طَرِيقِ زِيَادِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ يَضَعُ جِذْعَهُ عَلَى جِدَارِ نَفْسِهِ وَلَوْ تَضَرَّرَ بِهِ جَارُهُ، وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «فِي حَائِطِ جَارِهِ» وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ «فَاجْعَلْ أُسْطُوَانًا دُونَ جِدَارِي» قِيلَ: وَهَذَا الْحُكْمُ مَشْرُوطٌ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِأَنَّهُ يَجِبُ ذَلِكَ عَلَى الْجَارِ بِحَاجَةِ مَنْ يُرِيدُ الْغَرْزَ إلَيْهِ وَعَدَمِ تَضَرُّرِ الْمَالِكِ، فَإِنْ تَضَرَّرَ لَمْ يُقَدِّمْ حَاجَةَ جَارِهِ عَلَى حَاجَتِهِ وَلَكِنَّهُ لَا يَخْفَى أَنَّ إطْلَاقَ الْأَحَادِيثِ قَاضٍ بِعَدَمِ اعْتِبَارِ عَدَمِ تَضَرُّرِ الْمَالِكِ، وَلَكِنَّهُ يَجِبُ عَلَى مَنْ يُرِيدُ الْغَرْزَ أَنْ يَتَوَقَّى الضَّرَرَ بِمَا أَمْكَنَ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ إلَّا بِالضَّرَرِ وَجَبَ عَلَى الْغَارِزِ إصْلَاحُهُ، وَذَلِكَ كَمَا يَقَعُ عِنْدَ فَتْحِ الْجِدَارِ لِغَرْزِ الْجُذُوعِ

وَأَمَّا اعْتِبَارُ حَاجَةِ الْغَارِزِ إلَى الْغَرْزِ فَأَمْرٌ لَا بُدَّ مِنْهُ قَوْلُهُ: (مَا لِي أَرَاكُمْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ) أَيْ: عَنْ هَذِهِ الْمَقَالَةِ الَّتِي جَاءَتْ بِهَا السُّنَّةُ أَوْ عَنْ هَذِهِ الْوَصِيَّةِ أَوْ الْمَوْعِظَةِ قَوْلُهُ: " وَاَللَّهِ لَأَرْمِيَنَّ بِهَا بَيْنَ أَكْتَافِكُمْ " بِالتَّاءِ الْفَوْقِيَّةِ: أَيْ: لَأَقْرَعَنَّكُمْ بِهَا كَمَا يُضْرَبُ الْإِنْسَانُ بِالشَّيْءِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ لِيَسْتَيْقِظَ مِنْ غَفْلَتِهِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَقَدْ رَوَاهُ بَعْضُ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ

" أَكْنَافِكُمْ " بِالنُّونِ، وَالْكَنَفُ: الْجَانِبُ وَنُونُهُ مَفْتُوحَةٌ، وَالْمَعْنَى لَأَصْرُخَنَّ بِهَا بَيْنَ جَمَاعَتِكُمْ وَلَا أَكْتُمُهَا أَبَدًا وَقَالَ الْخَطَّابِيِّ: مَعْنَاهُ إنْ لَمْ تَقْبَلُوا هَذَا الْحُكْمَ وَتَعْمَلُوا بِهِ رَاضِينَ لَأَجْعَلَنَّهَا: أَيْ: الْخَشَبَةَ عَلَى رِقَابِكُمْ كَارِهِينَ، أَرَادَ بِذَلِكَ الْمُبَالَغَةَ وَفِي تَعْلِيقِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ ذَلِكَ حِينَ كَانَ مُتَوَلِّيًا بِمَكَّةَ أَوْ الْمَدِينَةِ، وَكَأَنَّهُ قَالَهُ لَمَّا رَآهُمْ تَوَقَّفُوا عَنْ قَبُولِ هَذَا الْحُكْمِ كَمَا وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد أَنَّهُمْ نَكَّسُوا رُءُوسَهُمْ لَمَّا سَمِعُوا ذَلِكَ قَوْلُهُ: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» هَذَا فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ الضِّرَارِ عَلَى أَيِّ صِفَةٍ كَانَ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ الْجَارِ وَغَيْرِهِ، فَلَا يَجُوزُ فِي صُورَةٍ مِنْ الصُّوَرِ إلَّا بِدَلِيلٍ يُخَصُّ بِهِ هَذَا الْعُمُومَ، فَعَلَيْكَ بِمُطَالَبَةِ مَنْ جَوَّزَ الْمُضَارَّةَ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ بِالدَّلِيلِ، فَإِنْ جَاءَ بِهِ قَبِلْتُهُ وَإِلَّا ضَرَبْت بِهَذَا الْحَدِيثِ وَجْهَهُ، فَإِنَّهُ قَاعِدَةٌ مِنْ قَوَاعِدِ الدِّينِ تَشْهَدُ لَهُ كُلِّيَّاتٌ وَجُزْئِيَّاتٌ وَقَدْ وَرَدَ الْوَعِيدُ لِمَنْ ضَارَّ غَيْرَهُ، فَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي صِرْمَةَ بِكَسْرِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ مَالِكِ بْنِ قَيْسٍ الْأَنْصَارِيِّ، وَهُوَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا وَمَا بَعْدَهَا مِنْ الْمَشَاهِدِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ بِلَا خِلَافٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:

<<  <  ج: ص:  >  >>