. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نيل الأوطار]
إنَّ سَيِّدَنَا لُدِغَ وَسَعَيْنَا لَهُ بِكُلِّ شَيْءٍ لَا يَنْفَعُهُ، فَهَلْ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْكُمْ مِنْ شَيْءٍ؟ قَالَ بَعْضُهُمْ: إنِّي وَاَللَّهِ لَأَرْقِي وَلَكِنْ وَاَللَّهِ لَقَدْ اسْتَضَفْنَاكُمْ فَلَمْ تُضَيِّفُونَا، فَمَا أَنَا بِرَاقٍ لَكُمْ حَتَّى تَجْعَلُوا لَنَا جُعْلًا، فَصَالَحُوهُمْ عَلَى قَطِيعٍ مِنْ غَنَمٍ، فَانْطَلَقَ يَتْفُلُ عَلَيْهِ وَيَقْرَأُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَكَأَنَّمَا نُشِطَ مِنْ عِقَالٍ، فَانْطَلَقَ يَمْشِي وَمَا بِهِ قَلَبَةٌ، قَالَ: فَأَوْفُوهُمْ جُعْلَهُمْ الَّذِي صَالَحُوهُمْ عَلَيْهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: اقْتَسِمُوا، فَقَالَ: الَّذِي رَقَى، لَا تَفْعَلُوا حَتَّى نَأْتِيَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَذْكُرَ لَهُ الَّذِي كَانَ فَنَنْظُرَ الَّذِي يَأْمُرُنَا، فَقَدِمُوا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرُوا لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ: وَمَا يُدْرِيكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ، ثُمَّ قَالَ: قَدْ أَصَبْتُمْ اقْتَسِمُوا وَاضْرِبُوا لِي مَعَكُمْ سَهْمًا، وَضَحِكَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا النَّسَائِيّ وَهَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ وَهُوَ أَتَمُّ)
قَوْلُهُ: (فِيهِمْ لَدِيغٌ) اللَّدِيغُ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ: هُوَ اللَّسِيعُ وَزْنًا وَمَعْنًى، وَاللَّدْغُ: اللَّسْعُ، وَأَمَّا اللَّذْعُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ: فَهُوَ الْإِحْرَاقُ الْخَفِيفُ، وَاللَّدْغُ الْمَذْكُورُ فِي الْحَدِيثِ: هُوَ ضَرْبُ ذَاتِ الْحُمَةِ مِنْ حَيَّةٍ أَوْ عَقْرَبٍ أَوْ غَيْرِهِمَا.
وَأَكْثَرُ مَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْعَقْرَبِ، وَقَدْ صَرَّحَ الْأَعْمَشُ فِي رِوَايَتِهِ بِالْعَقْرَبِ. قَوْلُهُ: (أَوْ سَلِيمٌ) هُوَ اللَّدِيغُ أَيْضًا
قَوْلُهُ: (إنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ) اسْتَدَلَّ بِهِ الْجُمْهُورُ عَلَى جَوَازِ أَخْذِ الْأُجْرَةِ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَأُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَجْرِ هُنَا الثَّوَابُ، وَيُرَدُّ بِأَنَّ سِيَاقَ الْقِصَّةِ يَأْبَى ذَلِكَ، وَادَّعَى بَعْضُهُمْ نَسْخَهُ بِالْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ النَّسْخَ لَا يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ الِاحْتِمَالِ، وَبِأَنَّ الْأَحَادِيثَ الْقَاضِيَةَ بِالْمَنْعِ وَقَائِعُ أَعْيَانٍ مُحْتَمِلَةٌ لِلتَّأْوِيلِ لِتُوَافِقَ الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ كَحَدِيثَيْ الْبَابِ، وَبِأَنَّهَا مِمَّا لَا تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ فَلَا تَقْوَى عَلَى مُعَارَضَةِ مَا فِي الصَّحِيحِ، وَقَدْ عَرَفْت مِمَّا سَلَفَ أَنَّهَا تَنْتَهِضُ لِلِاحْتِجَاجِ بِهَا عَلَى الْمَطْلُوب، وَالْجَمْعُ مُمْكِنٌ إمَّا بِحَمْلِ الْأَجْرِ الْمَذْكُورِ هَاهُنَا عَلَى الثَّوَابِ كَمَا سَلَفَ وَفِيهِ مَا تَقَدَّمَ، أَوْ الْمُرَادُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَى الرُّقْيَةِ فَقَطْ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ السِّيَاقُ فَيَكُونُ مُخَصِّصًا لِلْأَحَادِيثِ الْقَاضِيَةِ بِالْمَنْعِ أَوْ بِحَمْلِ الْأَجْرِ هُنَا عَلَى عُمُومِهِ، فَيَشْمَلُ الْأَجْرَ عَلَى الرُّقْيَةِ وَالتِّلَاوَةِ وَالتَّعْلِيمِ، وَيُخَصُّ أَخْذُهَا عَلَى التَّعْلِيمِ بِالْأَحَادِيثِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَيَجُوزُ مَا عَدَاهُ، وَهَذَا أَظْهَرُ وُجُوهِ الْجَمْعِ فَيَنْبَغِي الْمَصِيرُ إلَيْهِ
قَوْلُهُ: (فَاسْتَضَافُوهُمْ) أَيْ: طَلَبُوا مِنْهُمْ الضِّيَافَةَ وَفِي رِوَايَةٍ لِلتِّرْمِذِيِّ " أَنَّهُمْ ثَلَاثُونَ رَجُلًا " قَوْلُهُ: " فَلَمْ يُضَيِّفُوهُمْ " بِالتَّشْدِيدِ لِلْأَكْثَرِ وَبِكَسْرِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ مُخَفَّفًا. قَوْلُهُ: " فَسَعَوْا لَهُ بِكُلِّ شَيْءٍ " أَيْ: مِمَّا جَرَتْ الْعَادَةُ أَنْ يُتَدَاوَى بِهِ مِنْ اللَّدْغَةِ قَوْلُهُ: (وَإِنِّي وَاَللَّهِ لَأَرْقِي) ضَبَطَهُ صَاحِبُ الْفَتْحِ بِكَسْرِ الْقَافِ وَالرُّقْيَةُ كَلَامٌ يُسْتَشْفَى بِهِ مِنْ كُلِّ عَارِضٍ. قَالَ فِي الْقَامُوسِ: وَالرُّقْيَةُ بِالضَّمِّ: الْعُوذَةُ، الْجَمْعُ رُقًى، وَرَقَاهُ رَقْيًا وَرُقِيًّا وَرُقْيَةً:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute