للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[نيل الأوطار]

إنَّمَا كَلَامُنَا هَلْ يَضْمَنُهَا لَوْ تَلِفَتْ بِغَيْرِ جِنَايَةٍ؟ وَلَيْسَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَضْمُونِ وَغَيْرِ الْمَضْمُونِ إلَّا هَذَا

وَأَمَّا الْحِفْظُ فَمُشْتَرَكٌ وَهُوَ الَّذِي تُفِيدُهُ عَلَى، فَعَلَى هَذَا لَمْ يَنْسَ الْحَسَنُ كَمَا زَعَمَ قَتَادَةُ حِينَ قَالَ: «هُوَ أَمِينُكَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ» بَعْدَ رِوَايَةِ الْحَدِيثِ اهـ وَلَا يَخْفَى عَلَيْكَ مَا فِي هَذَا الْكَلَامِ مِنْ قِلَّةِ الْجَدْوَى وَعَدَمِ الْفَائِدَةِ وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ:؛ لِأَنَّ الْيَدَ الْأَمِينَةَ عَلَيْهَا مَا أَخَذَتْ حَتَّى تَرُدَّهُ وَإِلَّا فَلَيْسَتْ بِأَمِينَةٍ يَقْتَضِي الْمُلَازَمَةَ بَيْنَ عَدَمِ الرَّدِّ وَعَدَمِ الْأَمَانَةِ، فَيَكُونُ تَلَفُ الْوَدِيعَةِ وَالْعَارِيَّةِ بِأَيِّ وَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ قَبْلَ الرَّدِّ مُقْتَضِيًا لِخُرُوجِ الْأَمِينِ عَنْ كَوْنِهِ أَمِينًا وَهُوَ مَمْنُوعٌ، فَإِنَّ الْمُقْتَضِيَ لِذَلِكَ إنَّمَا هُوَ التَّلَفُ بِخِيَانَةٍ أَوْ جِنَايَةٍ، وَلَا نِزَاعَ فِي أَنَّ ذَلِكَ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ، إنَّمَا النِّزَاعُ فِي تَلَفٍ لَا يَصِيرُ بِهِ الْأَمِينُ خَارِجًا عَنْ كَوْنِهِ أَمِينًا كَالتَّلَفِ بِأَمْرٍ لَا يُطَاقُ دَفْعُهُ أَوْ بِسَبَبِ سَهْوٍ أَوْ نِسْيَانٍ أَوْ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أَوْ سَرِقَةٍ أَوْ ضَيَاعٍ بِلَا تَفْرِيطٍ فَإِنَّهُ يُوجَدُ التَّلَفُ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ مَعَ بَقَاءِ الْأَمَانَةِ.

وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ يَقْتَضِي الضَّمَانَ وَقَدْ عَارَضَهُ مَا أَسْلَفْنَا وَقَالَ فِي ضَوْءِ النَّهَارِ: إنَّ الْحَدِيثَ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ تَأْدِيَةِ غَيْرِ التَّالِفِ وَالضَّمَانُ عِبَارَةٌ عَنْ غَرَامَةِ التَّالِفِ اهـ وَلَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُ فِي الْحَدِيثِ " عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ " مِنْ الْمُقْتَضَى الَّذِي يَتَوَقَّفُ فَهْمُ الْمُرَادِ مِنْهُ عَلَى مُقَدَّرٍ وَهُوَ إمَّا الضَّمَانُ أَوْ الْحِفْظُ أَوْ التَّأْدِيَةُ، فَيَكُونُ مَعْنَى الْحَدِيثِ عَلَى الْيَدِ ضَمَانُ مَا أَخَذَتْ أَوْ حِفْظُ مَا أَخَذَتْ أَوْ تَأْدِيَةُ مَا أَخَذَتْ، وَلَا يَصِحُّ هَاهُنَا تَقْدِيرُ التَّأْدِيَةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ جَعَلَ قَوْلَهُ: " حَتَّى تُؤَدِّيَهُ " غَايَةً لَهَا، وَالشَّيْءُ لَا يَكُونُ غَايَةً لِنَفْسِهِ وَأَمَّا الضَّمَانُ وَالْحِفْظُ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَالِحٌ لِلتَّقْدِيرِ، وَلَا يُقَدَّرَانِ مَعًا لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ الْمُقْتَضَى لَا عُمُومَ لَهُ، فَمَنْ قَدَّرَ الضَّمَانَ أَوْجَبَهُ عَلَى الْوَدِيعِ وَالْمُسْتَعِيرِ، وَمَنْ قَدَّرَ الْحِفْظَ أَوْجَبَهُ عَلَيْهِمَا وَلَمْ يُوجِبْ الضَّمَانَ إذَا وَقَعَ التَّلَفُ مَعَ الْحِفْظِ الْمُعْتَبَرِ وَبِهَذَا تَعْرِفُ أَنَّ قَوْلَهُ إنَّمَا يَدُلُّ الْحَدِيثُ عَلَى وُجُوبِ التَّأْدِيَةِ لِغَيْرِ التَّالِفِ لَيْسَ عَلَى مَا يَنْبَغِي، وَأَمَّا مُخَالَفَةُ رَأْيِ الْحَسَنِ لِرِوَايَتِهِ فَقَدْ تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ الْعَمَلَ بِالرِّوَايَةِ لَا بِالرَّأْيِ

٢٣٩١ - (وَعَنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَعَارَ مِنْهُ يَوْمَ حُنَيْنٌ أَدْرُعًا، فَقَالَ: أَغَصْبًا يَا مُحَمَّدُ؟ قَالَ: بَلْ عَارِيَّةٌ مَضْمُونَةٌ، قَالَ: فَضَاعَ بَعْضُهَا، فَعَرَضَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَضْمَنَهَا لَهُ، فَقَالَ: أَنَا الْيَوْمَ فِي الْإِسْلَامِ أَرْغَبُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد)

٢٣٩٢ - (وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: «كَانَ فَزَعٌ بِالْمَدِينَةِ، فَاسْتَعَارَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَسًا

<<  <  ج: ص:  >  >>