. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نيل الأوطار]
مِنْهَا وَمِنْ التَّسَبُّبِ فِي شَيْءٍ مِنْ أَسْبَابِهَا، فَإِنَّ شَرَّهَا وَفِتْنَتَهَا يَكُونُ عَلَى حَسَبِ التَّعَلُّقِ بِهَا قَوْلُهُ: (كُنْ كَابْنِ آدَمَ) يَعْنِي: الَّذِي قَالَ لِأَخِيهِ لَمَّا أَرَادَ قَتْلَهُ {لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ} [المائدة: ٢٨] كَمَا حَكَى اللَّهُ ذَلِكَ فِي كِتَابِهِ وَالْأَحَادِيثُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْبَابِ تَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ تَرْكِ الْمُقَاتَلَةِ وَعَدَمِ وُجُوبِ الْمُدَافَعَةِ عَنْ النَّفْسِ وَالْمَالِ وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا يُقَاتِلُ فِي فِتَنِ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ دَخَلُوا عَلَيْهِ بَيْتَهُ وَطَلَبُوا قَتْلَهُ، وَلَا تَجُوزُ لَهُ الْمُدَافَعَةُ عَنْ نَفْسِهِ،؛ لِأَنَّ الطَّالِبَ مُتَأَوِّلٌ، وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي بَكْرَةَ الصَّحَابِيِّ وَغَيْرِهِ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ وَعِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ وَغَيْرُهُمَا: لَا يَدْخُلُ فِيهَا لَكِنْ إنْ قُصِدَ دَفَعَ عَنْ نَفْسِهِ قَالَ النَّوَوِيُّ: فَهَذَانِ الْمَذْهَبَانِ مُتَّفِقَانِ عَلَى تَرْكِ الدُّخُولِ فِي جَمِيعِ فِتَنِ الْمُسْلِمِينَ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي ذَلِكَ فَذَهَبَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَعَبْدُ اللَّهِ ابْنُ عُمَرَ وَمُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةُ وَغَيْرُهُمْ إلَى أَنَّهُ يَجِبُ الْكَفُّ عَنْ الْمُقَاتَلَةِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَلْزَمَ بَيْتَهُ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يَجِبُ عَلَيْهِ التَّحَوُّلُ عَنْ بَلَدِ الْفِتْنَةِ أَصْلًا
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يَتْرُكُ الْمُقَاتَلَةَ حَتَّى لَوْ أَرَادَ قَتْلَهُ لَمْ يَدْفَعْهُ عَنْ نَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يُدَافِعُ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ مَالِهِ وَعَنْ أَهْلِهِ، وَهُوَ مَعْذُورٌ إنْ قَتَلَ أَوْ قُتِلَ وَذَهَبَ جُمْهُورُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ إلَى وُجُوبِ نَصْرِ الْحَقِّ وَقِتَالِ الْبَاغِينَ، وَكَذَا قَالَ النَّوَوِيُّ وَزَادَ أَنَّهُ مَذْهَبُ عَامَّةِ عُلَمَاءِ الْإِسْلَامِ وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الحجرات: ٩] قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، وَتُتَأَوَّلُ الْأَحَادِيثُ عَلَى مَنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ الْمُحِقُّ، أَوْ عَلَى طَائِفَتَيْنِ ظَالِمَتَيْنِ لَا تَأْوِيلَ لِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا
قَالَ: وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالَ الْأَوَّلُونَ لَظَهَرَ الْفَسَادُ وَاسْتَطَالَ أَهْلُ الْبَغْيِ وَالْمُبْطِلُونَ اهـ وَقَالَ بَعْضُهُمْ بِالتَّفْصِيلِ، وَهُوَ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْقِتَالُ بَيْنَ طَائِفَتَيْنِ لَا إمَامَ لَهُمْ فَالْقِتَالُ مَمْنُوعٌ يَوْمَئِذٍ، وَتُنَزَّلُ الْأَحَادِيثُ عَلَى هَذَا وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ كَمَا تَقَدَّمَ وَقَالَ الطَّبَرِيُّ: إنْكَارُ الْمُنْكَرِ وَاجِبٌ عَلَى مَنْ يَقْدِرُ عَلَيْهِ فَمَنْ أَعَانَ الْمُحِقَّ أَصَابَ وَمَنْ أَعَانَ الْمُخْطِئَ أَخْطَأَ، وَإِنْ أَشْكَلَ الْأَمْرُ فَهِيَ الْحَالَةُ الَّتِي وَرَدَ النَّهْيُ عَنْ الْقِتَالِ فِيهَا وَذَهَبَ الْبَعْضُ إلَى أَنَّ الْأَحَادِيثَ وَرَدَتْ فِي حَقِّ نَاسٍ مَخْصُوصِينَ، وَأَنَّ النَّهْيَ مَخْصُوصٌ بِمَنْ خُوطِبَ بِذَلِكَ
وَقِيلَ: إنَّ النَّهْيَ إنَّمَا هُوَ فِي آخِرِ الزَّمَانِ حَيْثُ يَحْصُلُ التَّحَقُّقُ أَنَّ الْمُقَاتَلَةَ إنَّمَا هِيَ فِي طَلَبِ الْمُلْكِ، وَقَدْ أَتَى هَذَا فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لَهُ وَابِصَةُ بْنُ مَعْبَدٍ: وَمَتَى ذَلِكَ يَا ابْنَ مَسْعُودٍ؟ فَقَالَ: تِلْكَ أَيَّامُ الْهَرْجِ وَهُوَ حَيْثُ لَا يَأْمَنُ الرَّجُلُ جَلِيسَهُ، وَيُؤَيِّدُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْجُمْهُورُ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: ١٩٤] وقَوْله تَعَالَى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: ٤٠] وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ، وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا الْآيَاتُ وَالْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي وُجُوبِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ، وَسَيَأْتِي لِلْمَقَامِ زِيَادَةُ تَحْقِيقٍ فِي بَابِ مَا جَاءَ فِي تَوْبَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute