للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[نيل الأوطار]

قَالَ الْعُلَمَاءُ: مَحَلُّ ذَلِكَ الْمَحَافِلُ كَأَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ وَالْأَسْوَاقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ يَقُولُ: مَنْ ضَاعَتْ لَهُ نَفَقَةٌ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الْعِبَارَاتِ وَلَا يَذْكُرُ شَيْئًا مِنْ الصِّفَاتِ قَوْلُهُ: (سَنَةً) الظَّاهِرُ أَنْ تَكُونَ مُتَوَالِيَةً، وَلَكِنْ عَلَى وَجْهٍ لَا يَكُونُ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِيعَابِ فَلَا يَلْزَمُهُ التَّعْرِيفُ بِاللَّيْلِ وَلَا اسْتِيعَابُ الْأَيَّامِ، بَلْ عَلَى الْمُعْتَادِ فَيُعَرِّفُ فِي الِابْتِدَاءِ كُلَّ يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ فِي طَرَفَيْ النَّهَارِ، ثُمَّ فِي كُلِّ يَوْمٍ مَرَّةً، ثُمَّ فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ مَرَّةً، ثُمَّ فِي كُلِّ شَهْرٍ، وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يُعَرِّفَهَا بِنَفْسِهِ بَلْ يَجُوزُ لَهُ تَوْكِيلُ غَيْرِهِ وَيُعَرِّفُهَا فِي مَكَانِ وُجُودِهَا وَفِي غَيْرِهِ، كَذَا قَالَ الْعُلَمَاءُ وَظَاهِرُهُ أَيْضًا وُجُوبُ التَّعْرِيفِ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ وَلَا سِيَّمَا وَقَدْ سَمَّى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ لَمْ يُعَرِّفْهَا ضَالًّا كَمَا تَقَدَّمَ وَفِي وُجُوبِ الْمُبَادَرَةِ إلَى التَّعْرِيفِ خِلَافٌ مَبْنَاهُ: هَلْ الْأَمْرُ يَقْتَضِي الْفَوْرَ أَمْ لَا؟ وَظَاهِرُهُ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يَجِبُ التَّعْرِيفُ بَعْدَ السَّنَةِ، وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ، وَادَّعَى فِي الْبَحْرِ الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ

وَوَقَعَ فِي رِوَايَةٍ مِنْ حَدِيثِ أُبَيٍّ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ بِلَفْظِ «وَجَدْت صُرَّةً فِيهَا مِائَةُ دِينَارٍ، فَأَتَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: عَرِّفْهَا حَوْلًا، فَعَرَّفْتهَا فَلَمْ أَجِدْ مَنْ يَعْرِفُهَا، ثُمَّ أَتَيْته ثَانِيًا فَقَالَ: عَرِّفْهَا حَوْلًا، فَلَمْ أَجِدْ، ثُمَّ أَتَيْته ثَالِثًا فَقَالَ: احْفَظْ وِعَاءَهَا وَعَدَدَهَا وَوِكَاءَهَا فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَإِلَّا فَاسْتَمْتِعْ بِهَا، فَاسْتَمْتَعْت، فَلَقِيتُهُ بَعْدُ بِمَكَّةَ، فَقَالَ: لَا أَدْرِي ثَلَاثَةَ أَحْوَالٍ أَوْ حَوْلًا وَاحِدًا» هَكَذَا فِي الْبُخَارِيِّ، وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ الْحَدِيثَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ صَحِيحِهِ فَزَادَ " ثُمَّ أَتَيْته الرَّابِعَةَ فَقَالَ: اعْرِفْ وِعَاءَهَا. . . إلَخْ " قَالَ فِي الْفَتْحِ: الْقَائِلُ: " فَلَقِيتُهُ بَعْدُ بِمَكَّةَ " هُوَ شُعْبَةُ، وَاَلَّذِي قَالَ " لَا أَدْرِي " هُوَ شَيْخُهُ سَلَمَةُ بْنُ كُهَيْلٍ وَهُوَ الرَّاوِي لِهَذَا الْحَدِيثِ عَنْ سُوَيْد عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ شُعْبَةُ: فَسَمِعْته بَعْدَ عَشْرِ سِنِينَ يَقُولُ: عَرِّفْهَا عَامًا وَاحِدًا وَقَدْ بَيَّنَ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ فِي مُسْنَدِهِ الْقَائِلَ " فَلَقِيتُهُ " وَالْقَائِلَ " لَا أَدْرِي "، فَقَالَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ: قَالَ شُعْبَةُ: فَلَقِيتُ سَلَمَةَ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَالَ: " لَا أَدْرِي ثَلَاثَةَ أَحْوَالٍ أَوْ حَوْلًا وَاحِدًا " وَبِهَذَا تَبَيَّنَ بُطْلَانُ مَا قَالَهُ ابْنُ بَطَّالٍ إنَّ الَّذِي شَكَّ هُوَ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ، وَالْقَائِلُ هُوَ سُوَيْد بْنُ غَفَلَةَ، وَقَدْ رَوَاهُ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ بِغَيْرِ شَكٍّ جَمَاعَةٌ وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ، إلَّا حَمَّادَ بْنَ سَلَمَةَ فَإِنَّ فِي حَدِيثِهِ عَامَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً وَجَمَعَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ حَدِيثِ أُبَيٍّ هَذَا، وَحَدِيثِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْمَذْكُورِ فِيهِ سَنَةٌ فَقَطْ، بِأَنَّ حَدِيثَ أُبَيٍّ مَحْمُولٌ عَلَى مَزِيدِ الْوَرَعِ عَنْ التَّصَرُّفِ فِي اللُّقَطَةِ وَالْمُبَالَغَةِ فِي التَّعَفُّفِ عَنْهَا، وَحَدِيثَ زَيْدٍ عَلَى مَا لَا بُدَّ مِنْهُ وَجَزَمَ ابْنُ حَزْمٍ وَابْنُ الْجَوْزِيِّ بِأَنَّ الزِّيَادَةَ فِي حَدِيثِ أُبَيٍّ غَلَطٌ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ سَلَمَةَ أَخْطَأَ فِيهَا ثُمَّ ثَبَتَ وَاسْتَمَرَّ عَلَى عَامٍ وَاحِدٍ وَلَا يُؤْخَذُ إلَّا بِمَا لَمْ يُشَكَّ فِيهِ لَا بِمَا يَشُكُّ فِيهِ رَاوِيهِ وَقَالَ أَيْضًا: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَرَفَ أَنَّ تَعْرِيفَهَا لَمْ يَقَعْ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَنْبَغِي فَأَمَرَ ثَانِيًا بِإِعَادَةِ التَّعْرِيفِ كَمَا قَالَ لِلْمُسِيءِ صَلَاتَهُ: «ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ»

<<  <  ج: ص:  >  >>