وَعَنْ «مُنْذِرِ بْنِ جَرِيرٍ قَالَ: كُنْتُ مَعَ أَبِي جَرِيرٍ بِالْبَوَازِيجِ فِي السَّوَادِ فَرَاحَتْ الْبَقَرُ، فَرَأَى بَقَرَةً أَنْكَرَهَا، فَقَالَ: مَا هَذِهِ الْبَقَرَةُ؟ قَالُوا بَقَرَةٌ لَحِقَتْ بِالْبَقَرِ، فَأَمَرَ بِهَا فَطُرِدَتْ حَتَّى تَوَارَتْ، ثُمَّ قَالَ: سَمِعْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: لَا يَأْوِي الضَّالَّةَ إلَّا ضَالٌّ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَلِمَالِكٍ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: كَانَتْ ضَوَالُّ الْإِبِلِ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ إبِلًا مُؤَبَّلَةً تَتَنَاتَجُ لَا يُمْسِكُهَا أَحَدٌ، حَتَّى إذَا كَانَ عُثْمَانُ أَمَرَ بِمَعْرِفَتِهَا، ثُمَّ تُبَاعُ فَإِذَا جَاءَ صَاحِبُهَا أُعْطِيَ ثَمَنَهَا)
كِتَابُ الْهِبَةِ وَالْهَدِيَّةِ بَابُ افْتِقَارِهَا إلَى الْقَبُولِ وَالْقَبْضِ وَأَنَّهُ عَلَى مَا يَتَعَارَفُهُ النَّاسُ
ــ
[نيل الأوطار]
حَدِيثُ مُنْذِرٍ أَخْرَجَهُ أَيْضًا النَّسَائِيّ وَأَبُو يَعْلَى وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَالضِّيَاءُ فِي الْمُخْتَارَةِ، وَيَشْهَدُ لَهُ مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ بِلَفْظِ: «لَا يَأْوِي الضَّالَّةَ إلَّا ضَالٌّ» وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُهُ: (عَنْ مُنْذِرِ بْنِ جَرِيرٍ) يَعْنِي: ابْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيَّ وَقَدْ أَخْرَجَ لِمُنْذِرٍ مُسْلِمٌ فِي الزَّكَاةِ وَالْعِلْمِ مِنْ صَحِيحِهِ قَوْلُهُ: (بِالْبَوَازِيجِ) بِفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَبَعْدَ الْأَلِفِ زَايٌ مُعْجَمَةٌ بَعْدَهَا تَحْتِيَّةٌ ثُمَّ جِيمٌ، كَذَا ضَبَطَهُ الْبَكْرِيُّ فِي مُعْجَمِ الْبُلْدَانِ ثُمَّ قَالَ: كَذَا اتَّفَقَتْ الرِّوَايَاتُ فِيهِ عِنْدَ أَبِي دَاوُد، قَالَ: وَلَا أَعْلَمُ هَذَا الِاسْمَ وَرَدَ إلَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَصَوَابُهُ عِنْدِي الْمَوَازِجُ بِالْمِيمِ: وَهُوَ الْمَحْفُوظُ
قَالَ: وَالْمَوَازِجُ مِنْ دِيَارِ هُذَيْلٍ وَهِيَ مُتَّصِلَةٌ بِنَوَاحِي الْمَدِينَةِ وَقَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: بَوَازِيجُ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَبَعْدَ الْأَلِفِ زَايٌ: بَلْدَةٌ قَدِيمَةٌ فَوْقَ بَغْدَادَ خَرَجَ مِنْهَا جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ: بَوَازِيجُ الْأَنْبَارِ فَتَحَهَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَبِهَا قَوْمٌ مِنْ مَوَالِيهِ، وَلَيْسَتْ بَوَازِيجَ الْمَلِكِ الَّتِي بَيْنَ تَكْرِيتَ وَإِرْبِلَ قَوْلُهُ: (لَا يَأْوِي الضَّالَّةَ. . . إلَخْ) قَدْ تَقَدَّمَ ضَبْطُهُ وَتَفْسِيرُهُ، وَالْمُرَادُ بِالضَّالَّةِ هُنَا مَا يَحْمِي نَفْسَهُ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَيَقْدِرُ عَلَى الْإِبْعَادِ وَالْمَاءِ بِخِلَافِ الْغَنَمِ، فَالْحَيَوَانُ الْمُمْتَنِعُ مِنْ صِغَارِ السِّبَاعِ لَا يَجُوزُ الْتِقَاطُهُ، سَوَاءٌ كَانَ لِكِبَرِ جُثَّتِهِ كَالْإِبِلِ وَالْخَيْلِ وَالْبَقَرِ، أَوْ يَمْنَعُ نَفْسَهُ بِطَيَرَانِهِ كَالطُّيُورِ الْمَمْلُوكَةِ، أَوْ بِنَابِهِ كَالْفُهُودِ، وَلَا يَجُوزُ لِغَيْرِ الْإِمَامِ وَنَائِبِهِ أَخْذُهَا، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَيَّدَ مُطْلَقُ هَذَا الْحَدِيثِ بِمَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ لِقَوْلِهِ فِيهِ " مَا لَمْ يُعَرِّفْهَا " وَيَكُونُ وَصْفُ الَّذِي يَأْوِي الضَّالَّةَ بِالضَّلَالِ مُقَيَّدًا بِعَدَمِ التَّعْرِيفِ وَأَمَّا الْتِقَاطُ الْإِبِلِ وَنَحْوِهَا فَقَدْ اُسْتُفِيدَ الْمَنْعُ مِنْهُ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " مَا لَكَ وَلَهَا دَعْهَا "
قَوْلُهُ: (مُؤَبَّلَةٌ) كَمُعَظَّمَةٍ: أَيْ: كَثِيرَةٌ مُتَّخَذَةٌ لِلْقِنْيَةِ وَفِي هَذَا الْأَثَرِ جَوَازُ الْتِقَاطِ الْإِبِلِ لِلْإِمَامِ وَجَوَازُ بَيْعِهَا وَإِذَا جَاءَ مَالِكُهَا دَفَعَ إلَيْهِ الْإِمَامُ ثَمَنَهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute