. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نيل الأوطار]
فِي بَابِ مَا يَحِلُّ لِوَلِيِّ الْيَتِيمِ مِنْ كِتَابِ التَّفْلِيسِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: جَرَتْ الْعَادَةُ بِأَنَّ الْعَامِلَ يَأْكُلُ مِنْ ثَمَرَةِ الْوَاقِفِ حَتَّى لَوْ اشْتَرَطَ الْوَاقِفُ أَنَّ الْعَامِلَ لَا يَأْكُلُ لَاسْتُقْبِحَ ذَلِكَ مِنْهُ وَالْمُرَادُ بِالْمَعْرُوفِ الْقَدْرُ الَّذِي جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ. وَقِيلَ: الْقَدْرُ الَّذِي يَدْفَعُ الشَّهْوَةَ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ بِقَدْرِ عَمَلِهِ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى كَذَا فِي الْفَتْحِ قَوْلُهُ: (غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ) أَيْ غَيْرَ مُتَّخِذِ مِنْهَا مَالًا: أَيْ مِلْكًا
قَالَ الْحَافِظُ: وَالْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يَتَمَلَّكُ شَيْئًا مِنْ رِقَابِهَا قَوْلُهُ: (غَيْرَ مُتَأَثِّلٍ) بِمُثَنَّاةٍ ثُمَّ مُثَلَّثَةٍ بَيْنَهُمَا هَمْزَةٌ، وَهُوَ اتِّخَاذُ أَصْلِ الْمَالِ حَتَّى كَأَنَّهُ عِنْدَهُ قَدِيمٌ، وَأَثْلَةُ كُلِّ شَيْءٍ: أَصْلُهُ قَوْلُهُ: (قَالَ فِي صَدَقَةِ عُمَرَ) أَيْ: فِي رِوَايَتِهِ لَهَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ كَمَا جَزَمَ بِذَلِكَ الْمِزِّيُّ فِي الْأَطْرَافِ وَرَوَاهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي عُمَرَ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَوْلُهُ: (وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ) هُوَ مَوْصُولُ الْإِسْنَادِ كَمَا فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ قَوْلُهُ: (لِنَاسٍ) بَيَّنَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ أَنَّهُمْ آلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدِ بْنِ أَسِيد بْنِ أَبِي الْعَاصِ، وَإِنَّمَا كَانَ ابْنُ عُمَرَ يُهْدِي مِنْهُ أَخْذًا بِالشَّرْطِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ: وَيُؤْكِلَ صَدِيقًا لَهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا أَطْعَمَهُمْ مِنْ نَصِيبِهِ الَّذِي جُعِلَ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ بِالْمَعْرُوفِ، فَكَانَ يُؤَخِّرُهُ لِيُهْدِيَ لِأَصْحَابِهِ مِنْهُ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَحَدِيثُ عُمَرَ هَذَا أَصْلٌ فِي مَشْرُوعِيَّةِ الْوَقْفِ
وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: أَوَّلُ صَدَقَةٍ - أَيْ مَوْقُوفَةٍ - كَانَتْ فِي الْإِسْلَامِ صَدَقَةُ عُمَرَ وَرَوَى عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ «عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ قَالَ: سَأَلْنَا عَنْ أَوَّلِ حَبْسٍ فِي الْإِسْلَامِ، فَقَالَ الْمُهَاجِرُونَ: صَدَقَةُ عُمَرَ، وَقَالَ الْأَنْصَارُ: صَدَقَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَفِي إسْنَادِهِ الْوَاقِدِيُّ وَفِي مَغَازِي الْوَاقِدِيِّ أَنَّ أَوَّلَ صَدَقَةٍ مَوْقُوفَةٍ كَانَتْ فِي الْإِسْلَامِ أَرَاضِيَ مُخَيْرِيقٍ بِالْمُعْجَمَةِ مُصَغَّرًا الَّتِي أُوصِيَ بِهَا إلَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَوَقَفَهَا وَقَدْ ذَهَبَ إلَى جَوَازِ الْوَقْفِ وَلُزُومِهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: لَا نَعْلَمُ بَيْنَ الصَّحَابَةِ وَالْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ خِلَافًا فِي جَوَازِ وَقْفِ الْأَرَضِينَ وَجَاءَ عَنْ شُرَيْحٍ أَنَّهُ أَنْكَرَ الْحَبْسَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَلْزَمُ وَخَالَفَهُ جَمِيعُ أَصْحَابِهِ إلَّا زُفَرَ
وَقَدْ حَكَى الطَّحَاوِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ: لَوْ بَلَغَ أَبَا حَنِيفَةَ لَقَالَ بِهِ وَاحْتَجَّ الطَّحَاوِيُّ لِأَبِي حَنِيفَةَ بِأَنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " حَبِّسْ أَصْلَهَا " لَا يَسْتَلْزِمُ التَّأْبِيدَ، بَلْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ مُدَّةَ اخْتِيَارِهِ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَلَا يَخْفَى ضَعْفُ هَذَا التَّأْوِيلِ، وَلَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ: " وَقَفْتُ وَحَبَسْتُ " إلَّا التَّأْبِيدَ حَتَّى يُصَرِّحَ بِالشَّرْطِ عِنْدَ مَنْ يَذْهَبُ إلَيْهِ، وَكَأَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي فِيهَا: " حَبْسٌ مَا دَامَتْ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ " قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: رَادُّ الْوَقْفِ مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ انْتَهَى
وَمِمَّا يُؤَيِّدُ هُنَا مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْجُمْهُورُ حَدِيثُ: «أَمَّا خَالِدٌ فَقَدْ حَبَسَ أَدْرَاعَهُ وَأَعْتَادَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الزَّكَاةِ وَمِنْ ذَلِكَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ، فَإِنَّ قَوْلَهُ: " صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ " يُشْعِرُ بِأَنَّ الْوَقْفَ يَلْزَمُ وَلَا يَجُوزُ نَقْضُهُ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute