بَابُ وَقْفِ الْمُشَاعِ وَالْمَنْقُولِ
٢٥٠٧ - (عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «قَالَ عُمَرُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنَّ الْمِائَةَ السَّهْمِ الَّتِي لِي بِخَيْبَرَ لَمْ أُصِبْ مَالًا قَطُّ أَعْجَبَ إلَيَّ مِنْهَا قَدْ أَرَدْت أَنْ أَتَصَدَّقَ بِهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: احْبِسْ أَصْلَهَا وَسَبِّلْ ثَمَرَتَهَا» رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَابْنُ مَاجَهْ) .
ــ
[نيل الأوطار]
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: تَبِيعُنِيهَا بِعَيْنٍ فِي الْجَنَّةِ؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَيْسَ لِي وَلَا لِعِيَالِي غَيْرُهَا، فَبَلَغَ ذَلِكَ عُثْمَانَ، فَاشْتَرَاهَا بِخَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، ثُمَّ أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: أَتَجْعَلُ لِي مَا جَعَلْت لَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَدْ جَعَلْتهَا لِلْمُسْلِمِينَ» وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ الْأَحْنَفِ عَنْ عُثْمَانَ قَالَ: " اجْعَلْهَا سِقَايَةً لِلْمُسْلِمِينَ وَأَجْرُهَا لَك " وَزَادَ أَيْضًا فِي رِوَايَةٍ مِنْ هَذِهِ الطَّرِيقِ أَنَّ عُثْمَانَ قَالَ ذَلِكَ وَهُوَ مَحْصُورٌ وَصَدَّقَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ قَوْلُهُ: (فَيَجْعَلَ فِيهَا دَلْوُهُ مَعَ دِلَاءِ الْمُسْلِمِينَ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْوَاقِفِ أَنْ يَجْعَلَ لِنَفْسِهِ نَصِيبًا مِنْ الْوَقْفِ
وَيُؤَيِّدُهُ جَعْلُ عُمَرَ لِمَنْ وَلِيَ وَقَفَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ بِالْمَعْرُوفِ، وَظَاهِرُهُ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ هُوَ النَّاظِرُ أَوْ غَيْرُهُ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَيُسْتَنْبَطُ مِنْهُ صِحَّةُ الْوَقْفِ عَلَى النَّفْسِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَأَبِي يُوسُفَ وَأَحْمَدَ فِي الْأَرْجَحِ عَنْهُ، وَقَالَ بِهِ ابْنُ شَعْبَانَ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ، وَجُمْهُورُهُمْ عَلَى الْمَنْعِ إلَّا إذَا اسْتَثْنَى لِنَفْسِهِ شَيْئًا يَسِيرًا بِحَيْثُ لَا يُتَّهَمُ أَنَّهُ قَصَدَ حِرْمَانَ وَرَثَتِهِ وَمِنْ الشَّافِعِيَّةِ ابْنُ سُرَيْجٍ وَطَائِفَةٌ وَصَنَّفَ فِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ جُزْءًا ضَخْمًا وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِقُصَّةِ عُمَرَ هَذِهِ، وَبِقُصَّةِ رَاكِبِ الْبَدَنَةِ، وَبِحَدِيثِ أَنَسٍ فِي «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْتَقَ صَفِيَّةَ وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا»
وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ أَنَّهُ أَخْرَجَهَا عَنْ مِلْكِهِ بِالْعِتْقِ وَرَدَّهَا إلَيْهِ بِالشَّرْطِ اهـ وَقَدْ حُكِيَ فِي الْبَحْرِ جَوَازُ الْوَقْفِ عَلَى النَّفْسِ عَنْ الْعِتْرَةِ وَابْنِ شُبْرُمَةَ وَالزُّبَيْرِيِّ وَابْنِ الصَّبَّاغِ وَعَنْ الشَّافِعِيِّ وَمُحَمَّدٍ وَالنَّاصِرِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى النَّفْسِ، قَالُوا: لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَتَمَلَّكَهُ لِنَفْسِهِ مِنْ نَفْسِهِ كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ، وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " سَبِّلْ الثَّمَرَةَ " وَتَسْبِيلُ الثَّمَرَةِ: تَمْلِيكُهَا لِلْغَيْرِ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ امْتِنَاعَ ذَلِكَ غَيْرُ مُسْتَحِيلٍ، وَمَنْعُهُ تَمْلِيكُهُ لِنَفْسِهِ إنَّمَا هُوَ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ، وَالْفَائِدَةُ فِي الْوَقْفِ حَاصِلَةٌ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ إيَّاهُ مِلْكًا غَيْرُ اسْتِحْقَاقِهِ إيَّاهُ وَقْفًا اهـ
وَيُؤَيِّدُ صِحَّةُ الْوَقْفِ عَلَى النَّفْسِ حَدِيثُ «الرَّجُلِ الَّذِي قَالَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: عِنْدِي دِينَارٌ، فَقَالَ: تَصَدَّقَ بِهِ عَلَى نَفْسِك» أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ، وَأَيْضًا الْمَقْصُودُ مِنْ الْوَقْفِ تَحْصِيلُ الْقُرْبَةِ وَهِيَ حَاصِلَةٌ بِالصَّرْفِ إلَى النَّفْسِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute