. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نيل الأوطار]
لَكِنْ اُخْتُلِفَ فِيمَنْ لَيْسَ لَهُ وَارِثٌ خَاصٌّ، فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى مَنْعِهِ مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَى الثُّلُثِ، وَجَوَّزَ لَهُ الْحَنَفِيَّةُ الزِّيَادَةُ وَإِسْحَاقُ وَشَرِيكٌ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ الْوَصِيَّةَ مُطْلَقَةٌ فِي الْآيَةِ فَقَيَّدَتْهَا السُّنَّةُ بِمَنْ لَا وَارِثَ لَهُ فَبَقِيَ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَحَكَاهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْعِتْرَةِ.
قَوْلُهُ: (قَالَ الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ، أَوْ كَبِيرٌ) يَعْنِي بِالْمُثَلَّثَةِ أَوْ الْمُوَحَّدَةِ، وَهُوَ شَكٌّ مِنْ الرَّاوِي قَالَ الْحَافِظُ: وَالْمَحْفُوظُ فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ بِالْمُثَلَّثَةِ، قَالَ: الثُّلُثُ بِالنَّصْبِ عَلَى الْإِغْرَاءِ أَوْ بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ نَحْوَ عَيْنِ الثُّلُثِ، وَبِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَوْ مُبْتَدَأُ خَبَرٍ مَحْذُوفٍ قَوْلُهُ: (إنَّك أَنْ تَذَرَ) بِفَتْحِ أَنْ عَلَى التَّعْلِيلِ وَبِكَسْرِهَا عَلَى الشَّرْطِيَّةِ قَالَ النَّوَوِيُّ: هُمَا صَحِيحَانِ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: لَا مَعْنَى لِلشَّرْطِ هَهُنَا لِأَنَّهُ يَصِيرُ لَا جَوَابَ لَهُ وَيَبْقَى خَيْرٌ لَا رَافِعَ لَهُ.
وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: سَمِعْنَاهُ مِنْ رُوَاةِ الْحَدِيثِ بِالْكَسْرِ وَأَنْكَرَهُ ابْنُ الْخَشَّابِ وَقَالَ: لَا يَجُوزُ الْكَسْرُ لِأَنَّهُ لَا جَوَابَ لَهُ لِخُلُوِّ لَفْظِ خَيْرٍ عَنْ الْفَاءِ وَغَيْرِهَا مِمَّا اُشْتُرِطَ فِي الْجَوَابِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ تَقْدِيرِهَا كَمَا قَالَ ابْنُ مَالِكٍ قَوْلُهُ: (وَرَثَتَك) قَالَ ابْنُ الْمُنَيِّرِ: إنَّمَا عَبَّرَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِلَفْظِ الْوَرَثَةِ وَلَمْ يَقُلْ: بِنْتَك، مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ يَوْمَئِذٍ إلَّا ابْنَةٌ وَاحِدَةٌ، لِكَوْنِ الْوَارِثِ حِينَئِذٍ لَمْ يَتَحَقَّقْ، لِأَنَّ سَعْدًا إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى مَوْتِهِ فِي ذَلِكَ الْمَرَضِ وَبَقَائِهَا بَعْدَهُ حَتَّى تَرِثَهُ، وَكَانَ مِنْ الْجَائِزِ أَنْ تَمُوتَ هِيَ قَبْلَهُ، فَأَجَابَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِكَلَامٍ كُلِّيٍّ مُطَابِقٍ لِكُلِّ حَالَةٍ وَهُوَ قَوْلُهُ: " وَرَثَتَك " وَلَمْ يَخُصَّ بِنْتًا مِنْ غَيْرِهَا.
وَقَالَ الْفَاكِهِيُّ شَارِحُ الْعُمْدَةِ: إنَّمَا عَبَّرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْوَرَثَةِ لِأَنَّهُ اطَّلَعَ عَلَى أَنَّ سَعْدًا سَيَعِيشُ وَيَحْصُلُ لَهُ أَوْلَادٌ غَيْرُ الْبِنْتِ الْمَذْكُورَةِ، فَإِنَّهُ وُلِدَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَرْبَعَةُ بَنِينَ اهـ وَهُمْ عَامِرٌ وَمُصْعَبٌ وَمُحَمَّدٌ وَعُمَرُ، وَزَادَ بَعْضُهُمْ: إبْرَاهِيمَ وَيَحْيَى وَإِسْحَاقَ، وَزَادَ ابْنُ سَعْدٍ: عَبْدَ اللَّهِ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ وَعِمْرَانَ وَصَالِحًا وَعُثْمَانَ وَإِسْحَاقَ الْأَصْغَرَ وَعَمْرًا الْأَصْغَرَ وَعُمَيْرًا مُصَغَّرًا، وَذَكَرَ لَهُ مِنْ الْبَنَاتِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ بِنْتًا.
قَالَ الْحَافِظُ مَا مَعْنَاهُ: إنَّهُ قَدْ كَانَ لِسَعْدٍ وَقْتَ الْوَصِيَّةِ وَرَثَةٌ غَيْرُ ابْنَتِهِ وَهُمْ أَوْلَادُ أَخِيهِ عُتْبَةُ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ مِنْهُمْ هَاشِمُ بْنُ عُتْبَةُ وَقَدْ كَانَ مَوْجُودًا إذْ ذَاكَ قَوْلُهُ: (عَالَةً) أَيْ فُقَرَاءَ وَهُوَ جَمْعُ عَائِلٍ: وَهُوَ الْفَقِيرُ، وَالْفِعْلُ مِنْهُ عَالَ يَعِيلُ: إذَا افْتَقَرَ قَوْلُهُ: (يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ) أَيْ يَسْأَلُونَهُمْ بِأَكُفِّهِمْ، يُقَالُ: تَكَفَّفَ النَّاسَ وَاسْتَكَفَّ إذَا بَسَطَ كَفَّهُ لِلسُّؤَالِ، أَوْ سَأَلَ مَا يَكُفُّ عَنْهُ الْجُوعَ، أَوْ سَأَلَ كَفَافًا مِنْ طَعَامٍ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ تَقْيِيدُ مُطْلَقِ الْقُرْآنِ بِالسُّنَّةِ، لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ قَالَ: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: ١١] فَأَطْلَقَ وَقَيَّدَتْ السُّنَّةُ الْوَصِيَّةَ بِالثُّلُثِ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَفِيهِ أَنَّ خِطَابَ الشَّارِعِ لِلْوَاحِدِ يَعُمُّ مَنْ كَانَ بِصِفَتِهِ مِنْ الْمُكَلَّفِينَ لِإِطْبَاقِ الْعُلَمَاءِ عَلَى الِاحْتِجَاجِ بِحَدِيثِ سَعْدٍ هَذَا وَإِنْ كَانَ الْخِطَابُ إنَّمَا وَقَعَ لَهُ بِصِيغَةِ الْإِفْرَادِ
وَلَقَدْ أَبْعَدَ مَنْ قَالَ: إنَّ ذَلِكَ يَخْتَصُّ بِسَعْدٍ وَمَنْ كَانَ فِي مِثْلِ حَالِهِ مِمَّنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute