بَابُ مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ
ــ
[نيل الأوطار]
فَإِذَا اسْتَغْنَوْا عَنْهَا فَلْيُخَلُّوا سَبِيلَهَا» وَعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ ذَكَرَهُمَا ابْنُ الْأَثِيرِ فِي الْجَامِعِ وَبَيَّضَ لَهُمَا وَكِلَاهُمَا بِلَفْظِ: «مَنْ مَثَّلَ بِعَبْدِهِ عَتَقَ عَلَيْهِ» وَعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ وَفِيهِ: «كُنْت أَضْرِبُ غُلَامًا بِالسَّوْطِ، فَسَمِعْت صَوْتًا مِنْ خَلْفِي إلَى أَنْ قَالَ: فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: إنَّ اللَّهَ أَقْدَرُ عَلَيْك مِنْك عَلَى هَذَا الْغُلَامِ وَفِيهِ: قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ هُوَ حُرٌّ لِوَجْهِ اللَّهِ، فَقَالَ: لَوْ لَمْ تَفْعَلْ لَلَفَحَتْك النَّارُ، أَوْ لَمَسَّتْك النَّارُ»
وَالْأَحَادِيثُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُثْلَةَ مِنْ أَسْبَابِ الْعِتْقِ وَقَدْ اُخْتُلِفَ: هَلْ يَقَعُ الْعِتْقُ بِمُجَرَّدِهَا أَمْ لَا؟ فَحُكِيَ فِي الْبَحْرِ عَنْ عَلِيٍّ وَالْهَادِي وَالْمُؤَيَّدِ بِاَللَّهِ وَالْفَرِيقَيْنِ أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ بِمُجَرَّدِهَا، بَلْ يُؤْمَرُ السَّيِّدُ بِالْعِتْقِ فَإِنْ تَمَرَّدَ فَالْحَاكِمُ
وَقَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَدَاوُد وَالْأَوْزَاعِيُّ: بَلْ يَعْتِقُ بِمُجَرَّدِهَا.
وَحُكِيَ فِي الْبَحْرِ أَيْضًا عَنْ الْأَكْثَرِ أَنَّ مَنْ مَثَّلَ بِعَبْدِ غَيْرِهِ لَمْ يَعْتِقُ وَعَنْ الْأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُ يَعْتِقُ وَيَضْمَنُ الْقِيمَةَ لِلْمَالِكِ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ سُوَيْد بْنِ مُقَرِّنٍ الْمُتَقَدِّمِ أَنَّهُ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ أَنَّ ذَلِكَ الْعِتْقَ لَيْسَ وَاجِبًا، وَإِنَّمَا هُوَ مَنْدُوبٌ رَجَاءَ الْكَفَّارَةِ وَإِزَالَةِ إثْمِ اللَّطْمِ وَذَكَرَ مِنْ أَدِلَّتِهِمْ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ إذْنُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُمْ بِأَنْ يَسْتَخْدِمُوهَا وَرُدَّ بِأَنَّ إذْنَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُمْ بِاسْتِخْدَامِهَا لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ، بَلْ الْأَمْرُ قَدْ أَفَادَ الْوُجُوبَ وَالْإِذْنُ بِالِاسْتِخْدَامِ دَلَّ عَلَى كَوْنِهِ وُجُوبًا مُتَرَاخِيًا إلَى وَقْتِ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهَا، وَلِذَا أَمَرَهُمْ عِنْدَ الِاسْتِغْنَاءِ بِالتَّخْلِيَةِ لَهَا
وَنَقَلَ النَّوَوِيُّ أَيْضًا عَنْ الْقَاضِي عِيَاضٍ أَنَّهُ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ إعْتَاقٌ بِشَيْءٍ مِمَّا يَفْعَلُهُ الْمَوْلَى مِنْ مِثْلِ هَذَا الْأَمْرِ الْخَفِيفِ، يَعْنِي اللَّطْمَ الْمَذْكُورَ فِي حَدِيثِ سُوَيْد بْنِ مُقَرِّنٍ قَالَ: وَاخْتَلَفُوا فِيمَا كَثُرَ مِنْ ذَلِكَ وَشَنُعَ مِنْ ضَرْبٍ مُبَرِّحٍ لِغَيْرِ مُوجِبٍ أَوْ تَحْرِيقٍ بِنَارٍ أَوْ قَطْعِ عُضْوٍ أَوْ إفْسَادِهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ؛ فَذَهَبَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ إلَى عِتْقِ الْعَبْدِ بِذَلِكَ وَيَكُونُ وَلَاؤُهُ لَهُ وَيُعَاقِبُهُ السُّلْطَانُ عَلَى فِعْلِهِ، وَقَالَ سَائِرُ الْعُلَمَاءِ: لَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ اهـ.
وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ الْإِجْمَاعَ الَّذِي أَطْلَقَهُ النَّوَوِيُّ مُقَيَّدٌ بِمِثْلِ مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَاعْلَمْ أَنَّ ظَاهِرَ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ يَقْتَضِي أَنَّ اللَّطْمَ وَالضَّرْبَ يَقْتَضِيَانِ الْعِتْقَ مِنْ غَيْرَ فَرْقٍ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَالْمَشْرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَلَمْ يَقُلْ بِذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَقَدْ دَلَّتْ الْأَدِلَّةُ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَضْرِبَ عَبْدَهُ لِلتَّأْدِيبِ، وَلَكِنْ لَا يُجَاوِزُ بِهِ عَشَرَةَ أَسْوَاطٍ وَمِنْ ذَلِكَ حَدِيثُ: «إذَا ضَرَبَ أَحَدُكُمْ خَادِمَهُ فَلْيَجْتَنِبْ الْوَجْهَ» فَأَفَادَ أَنَّهُ يُبَاحُ ضَرْبُهُ فِي غَيْرِهِ وَمِنْ ذَلِكَ الْإِذْنُ لِسَيِّدِ الْأَمَةِ بِحَدِّهَا، فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِ مُطْلَقِ الضَّرْبِ الْوَارِدِ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ هَذَا بِمَا وَرَدَ مِنْ الضَّرْبِ الْمَأْذُونِ بِهِ، فَيَكُونُ الْمُوجِبُ لِلْعِتْقِ هُوَ مَا عَدَاهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute