للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[نيل الأوطار]

وَالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ الْمُشَدَّدَةِ وَهُوَ لَقَبُ وَالِدِ نُعَيْمٍ

وَقِيلَ: إنَّهُ لَقَبٌ لِنُعَيْمٍ، وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ خِلَافُ ذَلِكَ وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِالْفِسْقِ وَالضَّرُورَةِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَأَهْلُ الْحَدِيثِ، وَنَقَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ عَنْ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ وَحَكَى النَّوَوِيُّ عَنْ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمُدَبَّرِ مُطْلَقًا وَالْحَدِيثُ يَرُدُّ عَلَيْهِمْ وَرُوِيَ عَنْ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمُدَبَّرِ تَدْبِيرًا مُطْلَقًا لَا الْمُدَبَّرُ تَدْبِيرًا مُقَيَّدًا نَحْوُ أَنْ يَقُولَ: إنْ مِتُّ مِنْ مَرَضِي هَذَا فَفُلَانٌ حُرٌّ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ لِأَنَّهُ كَالْوَصِيَّةِ فَيَجُوزُ الرُّجُوعُ فِيهِ كَمَا يَجُوزُ الرُّجُوعُ فِيهَا

وَقَالَ أَحْمَدُ: يَمْتَنِعُ بَيْعُ الْمُدَبَّرَةِ دُونَ الْمُدَبَّرِ وَقَالَ اللَّيْثُ: يَجُوزُ بَيْعُهُ إنْ شَرَطَ عَلَى الْمُشْتَرِي عِتْقَهُ وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ إلَّا مِنْ نَفْسِهِ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ: لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ إلَّا إذَا كَانَ عَلَى السَّيِّدِ دَيْنٌ فَيُبَاعُ لَهُ قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهَذَا الْحَدِيثُ صَرِيحٌ أَوْ ظَاهِرٌ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِمْ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا بَاعَهُ لِيُنْفِقَهُ سَيِّدُهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَلَعَلَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَى رِوَايَةِ النَّسَائِيّ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ، نَعَمْ، لَا وَجْهَ لِقَصْرِ جَوَازِ الْبَيْعِ عَلَى حَاجَةِ قَضَاءِ الدَّيْنِ، بَلْ يَجُوزُ الْبَيْعُ لَهَا وَلِغَيْرِهَا مِنْ الْحَاجَاتِ، وَالرِّوَايَةُ الْمَذْكُورَةُ قَدْ تَضَمَّنَتْ أَنَّ الرَّجُلَ الْمَذْكُورَ كَانَ مُحْتَاجًا لِلْبَيْعِ لِمَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ وَمِنْ نَفَقَةِ أَوْلَادِهِ

وَقَدْ ذَهَبَ إلَى جَوَازِ الْبَيْعِ لِمُطْلَقِ الْحَاجَةِ عَطَاءٌ وَالْهَادِي وَالْقَاسِمُ وَالْمُؤَيَّدُ بِاَللَّهِ وَأَبُو طَالِبٍ، كَمَا حُكِيَ ذَلِكَ عَنْهُمْ فِي الْبَحْرِ، وَإِلَيْهِ مَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ، فَقَالَ: مَنْ مَنَعَ الْبَيْعَ مُطْلَقًا كَانَ الْحَدِيثُ حُجَّةً عَلَيْهِ، لِأَنَّ الْمَنْعَ الْكُلِّيَّ يُنَاقِضُهُ الْجَوَازُ الْجُزْئِيُّ، وَمَنْ أَجَازَهُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ فَلَهُ أَنْ يَقُولَ: قُلْت بِالْحَدِيثِ فِي الصُّورَةِ الَّتِي وَرَدَ فِيهَا فَلَا يَلْزَمُهُ الْقَوْلُ بِهِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الصُّوَرِ وَأَجَابَ مَنْ أَجَازَهُ مُطْلَقًا بِأَنَّ قَوْلَهُ فِي الْحَدِيثِ: " وَكَانَ مُحْتَاجًا " لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي الْحُكْمِ، وَإِنَّمَا ذُكِرَ لِبَيَانِ السَّبَبِ فِي الْمُبَادَرَةِ لِبَيْعِهِ لِيُبَيِّنَ لِلسَّيِّدِ جَوَازَ الْبَيْعِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ فِي الْحَدِيثِ إيمَاءً إلَى الْمُقْتَضِي لِجَوَازِ الْبَيْعِ بِقَوْلِهِ: " فَاحْتَاجَ " وَبِقَوْلِهِ: " اقْضِ دَيْنَكَ وَأَنْفِقْ عَلَى عِيَالِكَ " لَا يُقَالُ: الْأَصْلُ جَوَازُ الْبَيْعِ وَالْمَنْعُ مِنْهُ يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ، وَلَا يَصْلُحُ لِذَلِكَ حَدِيثُ الْبَابِ، لِأَنَّ غَايَتَهُ أَنَّ الْبَيْعَ فِيهِ وَقَعَ لِلْحَاجَةِ وَلَا دَلِيلَ عَلَى اعْتِبَارِهَا فِي غَيْرِهِ، بَلْ مُجَرَّدُ ذَلِكَ الْأَصْلِ كَافٍ فِي الْجَوَازِ لِأَنَّا نَقُولُ: قَدْ عَارَضَ ذَلِكَ الْأَصْلَ إيقَاعُ الْعِتْقِ الْمُعَلَّقِ فَصَارَ الدَّلِيلُ بَعْدَهُ عَلَى مُدَّعِي الْجَوَازِ، وَلَمْ يَرِدْ الدَّلِيلُ إلَّا فِي صُورَةِ الْحَاجَةِ فَيَبْقَى مَا عَدَاهَا عَلَى أَصْلِ الْمَنْعِ

وَأَمَّا مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْهَادَوِيَّةُ مِنْ جَوَازِ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ لِلْفِسْقِ كَمَا يَجُوزُ لِلضَّرُورَةِ، فَلَيْسَ عَلَى ذَلِكَ دَلِيلٌ إلَّا مَا تَقَدَّمَ عَنْ عَائِشَةَ مِنْ بَيْعِهَا لِلْمُدَبَّرَةِ الَّتِي سَحَرَتْهَا، وَهُوَ مَعَ كَوْنِهِ أَخَصَّ مِنْ الدَّعْوَى لَا يَصْلُحُ لِلِاحْتِجَاجِ بِهِ لِمَا قَرَّرْنَاهُ غَيْرَ مَرَّةٍ مِنْ أَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ وَفِعْلَهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ وَاعْلَمْ أَنَّهَا قَدْ اتَّفَقَتْ طُرُقُ هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ الْبَيْعَ وَقَعَ فِي حَيَاةِ السَّيِّدِ، إلَّا مَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ بِلَفْظِ: «أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ دَبَّرَ غُلَامًا لَهُ فَمَاتَ» وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْأَئِمَّةُ أَحْمَدُ

<<  <  ج: ص:  >  >>