للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢٦٣١ - (وَعَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّ الْمَرْأَةَ تُنْكَحُ عَلَى دِينِهَا وَمَالِهَا وَجَمَالِهَا، فَعَلَيْكَ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ)

ــ

[نيل الأوطار]

قَوْلُهُ: (بِكْرًا) هِيَ الَّتِي لَمْ تُوطَأْ، وَالثَّيِّبُ: هِيَ الَّتِي قَدْ وُطِئَتْ. قَوْلُهُ: (تُلَاعِبُهَا وَتُلَاعِبُكُ) زَادَ الْبُخَارِيُّ فِي رِوَايَةٍ لَهُ فِي النَّفَقَاتِ: «وَتُضَاحِكُهَا وَتُضَاحِكُكَ» وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي عُبَيْدٍ: «تُدَاعِبُهَا وَتُدَاعِبُكَ» بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ مَكَانَ اللَّامِ

وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ نِكَاحِ الْأَبْكَارِ إلَّا لِمُقْتَضٍ لِنِكَاحِ الثَّيِّبِ كَمَا وَقَعَ لِجَابِرٍ فَإِنَّهُ «قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا قَالَ لَهُ ذَلِكَ: هَلَكَ أَبِي وَتَرَكَ سَبْعَ بَنَاتٍ أَوْ تِسْعَ بَنَاتٍ فَتَزَوَّجْتُ ثَيِّبًا كَرِهْتُ أَنْ أَجِيئَهُنَّ بِمِثْلِهِنَّ فَقَالَ: بَارَكَ اللَّهُ لَك:» هَكَذَا فِي الْبُخَارِيِّ فِي النَّفَقَاتِ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ ذَكَرَهَا فِي الْمَغَازِي مِنْ صَحِيحِهِ: «كُنَّ لِي تِسْعُ أَخَوَاتٍ فَكَرِهْتُ أَنْ أَجْمَعَ إلَيْهِنَّ جَارِيَةً خَرْقَاءَ مِثْلَهُنَّ، وَلَكِنْ امْرَأَةً تَقُومُ عَلَيْهِنَّ وَتَمْشُطُهُنَّ، قَالَ: أَصَبْتَ» قَوْلُهُ: (تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ) أَيْ لِأَجْلِ أَرْبَعٍ

قَوْلُهُ: (لِحَسَبِهَا) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالسِّينِ الْمُهْمَلَتَيْنِ بَعْدَهُمَا بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ: أَيْ شَرَفِهَا وَالْحَسَبُ فِي الْأَصْلِ الشَّرَفُ بِالْآبَاءِ وَبِالْأَقَارِبِ، مَأْخُوذٌ مِنْ الْحِسَابِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا إذَا تَفَاخَرُوا عَدُّوا مَنَاقِبَهُمْ وَمَآثِرَ آبَائِهِمْ وَقَوْمِهِمْ وَحَسَبُوهَا، فَيُحْكَمُ لِمَنْ زَادَ عَدَدُهُ عَلَى غَيْرِهِ وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْحَسَبِ هَهُنَا الْأَفْعَالُ الْحَسَنَةُ وَقِيلَ: الْمَالُ وَهُوَ مَرْدُودٌ بِذِكْرِهِ قَبْلَهُ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الشَّرِيفَ النَّسِيبَ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ نَسِيبَةً إلَّا إنْ تَعَارَضَ: نَسِيبَةٌ غَيْرُ دَيِّنَةٍ، وَغَيْرُ نَسِيبَةٍ دَيِّنَةٍ، فَتُقَدَّمُ ذَاتُ الدِّينِ، وَهَكَذَا فِي كُلِّ الصِّفَاتِ وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ رَفَعَهُ: «إنَّ أَحْسَابَ أَهْلِ الدُّنْيَا الَّذِي يَذْهَبُونَ إلَيْهِ الْمَالُ» فَقَالَ الْحَافِظُ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّهُ حَسَبُ مَنْ لَا حَسَبَ لَهُ، فَيَقُومُ النَّسَبُ الشَّرِيفُ لِصَاحِبِهِ مَقَامَ الْمَالِ لِمَنْ لَا نَسَبَ لَهُ

وَمِنْهُ حَدِيثُ سَمُرَةَ رَفَعَهُ: " الْحَسَبُ: الْمَالُ. وَالْكَرَمُ: التَّقْوَى " أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ هُوَ وَالْحَاكِمُ قَوْلُهُ: (وَجَمَالِهَا) يُؤْخَذُ مِنْهُ اسْتِحْبَابُ نِكَاحِ الْجَمِيلَةِ، وَيُلْحَقُ بِالْجَمَالِ فِي الذَّاتِ الْجَمَالُ فِي الصِّفَاتِ قَوْلُهُ: (فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ اللَّائِقَ بِذِي الدِّينِ وَالْمُرُوءَةِ أَنْ يَكُونَ الدِّينُ مَطْمَحَ نَظَرِهِ فِي كُلِّ شَيْءٍ لَا سِيَّمَا فِيمَا تَطُولُ صُحْبَتُهُ كَالزَّوْجَةِ، وَقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ وَالْبَزَّارِ وَالْبَيْهَقِيِّ رَفَعَهُ: «لَا تَزَوَّجُوا النِّسَاءَ لِحُسْنِهِنَّ فَعَسَى حُسْنُهُنَّ يُرْدِيهِنَّ، وَلَا تَزَوَّجُوهُنَّ لِأَمْوَالِهِنَّ فَعَسَى أَمْوَالُهُنَّ أَنْ تُطْغِيَهُنَّ، وَلَكِنْ تَزَوَّجُوهُنَّ عَلَى الدِّينِ، وَلَأَمَةٌ سَوْدَاءُ ذَاتُ دِينٍ أَفْضَلُ» وَلِهَذَا قِيلَ: إنَّ مَعْنَى حَدِيثِ الْبَابِ الْإِخْبَارُ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَا يَفْعَلُهُ النَّاسُ فِي الْعَادَةِ فَإِنَّهُمْ يَقْصِدُونَ هَذِهِ الْخِصَالَ الْأَرْبَعَ،

<<  <  ج: ص:  >  >>