. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نيل الأوطار]
الْمَنَارِ أَنَّ كُتُبَ الْفُقَهَاءِ نَاطِقَةٌ بِالتَّحْرِيمِ
قَالَ: فَفِي مِنْهَاجِ النَّوَوِيِّ وَهُوَ عُمْدَتُهُمْ: وَيُحَرَّمُ نَظَرُ فَحْلٍ بَالِغٍ إلَى عَوْرَةِ حُرَّةٍ أَجْنَبِيَّةٍ، وَكَذَا وَجْهُهَا وَكَفَّيْهَا عِنْدَ خَوْفِ فِتْنَةٍ، وَكَذَا عِنْدَ الْأَمْنِ عَلَى الصَّحِيحِ ثُمَّ قَالَ فِي نَظَرِ الْأَجْنَبِيَّةِ إلَى الْأَجْنَبِيِّ: كَهُوَ إلَيْهَا وَفِي الْمُنْتَهَى مِنْ كُتُبِ الْحَنَابِلَةِ: وَلِشَاهِدٍ وَمُعَامِلٍ نَظَرُ وَجْهِ مَشْهُودٍ عَلَيْهَا، وَمَنْ تُعَامِلُهُ، وَكَفَّيْهَا لِحَاجَةٍ، وَالْحَنَفِيَّةُ لَا يُجِيزُونَ النَّظَرَ إلَى الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ مَعَ الشَّهْوَةِ وَلَفْظُ الْكَنْزِ: وَلَا يَنْظُرُ مَنْ اشْتَهَى قَالَ الشَّارِحُ الْعَيْنِيُّ فِي الشَّاهِدِ: لَا يَجُوزُ لَهُ وَقْتَ التَّحَمُّلِ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهَا بِشَهْوَةٍ، هَذَا مَا تَعَقَّبَ بِهِ صَاحِبُ الْمَنَارِ
قَالَ فِي بَهْجَةِ الْمَحَافِلِ لِلْعَامِرِيِّ الشَّافِعِيِّ فِي حَوَادِثِ السَّنَةِ الْخَامِسَةِ مَا لَفْظُهُ: وَفِيهَا نُزُولُ الْحِجَابِ وَفِيهِ مَصَالِحُ جَلِيلَةٌ وَعَوَائِدُ فِي الْإِسْلَامِ جَمِيلَةٌ، وَلَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ بَعْدَهُ النَّظَرُ إلَى أَجْنَبِيَّةٍ لِشَهْوَةٍ أَوْ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ، وَعُفِيَ عَنْ نَظَرِ الْفَجْأَةِ انْتَهَى.
وَفِي شَرْحِ السَّيْلَقِيَّةِ لِلْإِمَامِ يَحْيَى فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ الرَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ: «إيَّاكُمْ وَفُضُولَ النَّظَرِ فَإِنَّهُ يَبْذُرُ الْهَوَى وَيُوَلِّدُ الْغَفْلَةَ» : التَّصْرِيحُ بِتَحْرِيمِ النَّظَرِ إلَى النِّسَاءِ الْأَجَانِبِ لِشَهْوَةٍ أَوْ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ
وَقَالَ ابْنُ مُظَفَّرٍ فِي الْبَيَانِ: إنَّهُ يَحْرُمُ النَّظَرُ إلَى الْأَجْنَبِيَّةِ مَعَ الشَّهْوَةِ اتِّفَاقًا وَقَالَ الْإِمَامُ عِزُّ الدِّينِ فِي جَوَابٍ لَهُ: وَالصَّحِيحُ الْمَعْمُولُ عَلَيْهِ رِوَايَةُ شَرْحِ الْأَزْهَارِ وَهِيَ رِوَايَةُ الْبَحْرِ أَنَّ الْإِمَامَ يَحْيَى وَمَنْ مَعَهُ يُجَوِّزُونَ النَّظَرَ وَلَوْ مَعَ شَهْوَةٍ اهـ. وَمِنْ جُمْلَةِ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ الْمَانِعُونَ مِنْ النَّظَرِ مُطْلَقًا قَوْله تَعَالَى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور: ٣٠] وقَوْله تَعَالَى: {فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الأحزاب: ٥٣] وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ خَاصٌّ بِأَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهُ إنَّمَا شُرِعَ قَطْعًا لِذَرِيعَةِ وُقُوفِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَيْتِهِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ وَمِنْ جُمْلَةِ مَا اسْتَدَلُّوا بِهِ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْدَفَ الْفَضْلَ بْنَ الْعَبَّاسِ يَوْمَ النَّحْرِ خَلْفَهُ، وَفِيهِ قِصَّةُ الْمَرْأَةِ الْوَضِيئَةِ الْخَثْعَمِيَّةِ، فَطَفِقَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إلَيْهَا، فَأَخَذَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَقَنِ الْفَضْلِ فَحَوَّلَ وَجْهَهُ عَنْ النَّظَرِ إلَيْهَا» وَأُجِيبَ بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ لِمَخَافَةِ الْفِتْنَةِ لِمَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ، وَفِيهِ: «فَقَالَ الْعَبَّاسُ: لَوَيْتَ عُنُقَ ابْنِ عَمِّكَ، فَقَالَ: رَأَيْت شَابًّا وَشَابَّةً فَلَمْ آمَنْ عَلَيْهِمَا الْفِتْنَةَ» وَقَدْ اسْتَنْبَطَ مِنْهُ ابْنُ الْقَطَّانِ جَوَازَ النَّظَرِ عِنْدَ أَمْنِ الْفِتْنَةِ حَيْثُ لَمْ يَأْمُرْهَا بِتَغْطِيَةِ وَجْهِهَا، فَلَوْ لَمْ يَفْهَمْ الْعَبَّاسُ أَنَّ النَّظَرَ جَائِزٌ مَا سَأَلَ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَا فَهِمَهُ جَائِزًا مَا أَقَرَّهُ عَلَيْهِ
وَهَذَا الْحَدِيثُ أَيْضًا يَصْلُحُ لِلِاسْتِدْلَالِ بِهِ عَلَى اخْتِصَاصِ آيَةِ الْحِجَابِ السَّابِقَةِ بِزَوْجَاتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّ قِصَّةَ الْفَضْلِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَآيَةَ الْحِجَابِ فِي نِكَاحِ زَيْنَبَ فِي السَّنَةِ الْخَامِسَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ كَمَا تَقَدَّمَ وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: ٣١] فَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الْمُرَادَ بِمَا ظَهَرَ: الْوَجْهُ وَالْكَفَّانِ. وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا عَنْ عَائِشَةَ نَحْوَهُ، وَكَذَلِكَ رَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنْهَا وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ أَيْضًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute