. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نيل الأوطار]
قَالَ: لَا، إلَّا بِنِكَاحِ رَغْبَةٍ، كُنَّا نَعُدُّ هَذَا سِفَاحًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "
قَالَ: وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ: لَيْسَ الْحَدِيثُ عَلَى عُمُومِهِ فِي كُلِّ مُحَلِّلٍ، إذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَدَخَلَ فِيهِ كُلُّ وَاهِبٍ وَبَائِعٍ وَمُزَوِّجٍ، فَصَحَّ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ بَعْضَ الْمُحَلِّلِينَ، وَهُوَ مَنْ أَحَلَّ حَرَامًا لِغَيْرِهِ بِلَا حُجَّةٍ، فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِيمَنْ شَرَطَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي أَنَّ الزَّوْجَ إذَا لَمْ يَنْوِ تَحْلِيلَهَا لِلْأَوَّلِ وَنَوَتْ هِيَ، أَنَّهَا لَا تَدْخُلُ فِي اللَّعْنِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ الشَّرْطُ، انْتَهَى
وَمِنْ الْمُجَوِّزِينَ لِلتَّحْلِيلِ بِلَا شَرْطٍ أَبُو ثَوْرٍ وَبَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمُؤَيَّدُ بِاَللَّهِ وَالْهَادَوِيَّةُ، وَحَمَلُوا أَحَادِيثَ التَّحْرِيمِ عَلَى مَا إذَا وَقَعَ الشَّرْطُ أَنَّهُ نِكَاحُ تَحْلِيلٍ قَالُوا: وَقَدْ رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَّ امْرَأَةً أَرْسَلَتْ إلَى رَجُلٍ فَزَوَّجَتْهُ نَفْسَهَا لِيُحِلَّهَا لِزَوْجِهَا، فَأَمَرَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنْ يُقِيمَ مَعَهَا وَلَا يُطَلِّقَهَا، وَأَوْعَدَهُ أَنْ يُعَاقِبَهُ إنْ طَلَّقَهَا فَصَحَّحَ نِكَاحَهُ وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِاسْتِئْنَافِهِ وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَيْضًا عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بَأْسًا بِالتَّحْلِيلِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ
قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: وَهُوَ قَوْلُ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي إعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ: وَصَحَّ عَنْ عَطَاءٍ فِيمَنْ نَكَحَ امْرَأَةً مُحَلِّلًا ثُمَّ رَغِبَ فِيهَا فَأَمْسَكَهَا، قَالَ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: لَا بَأْسَ بِالتَّحْلِيلِ إذَا لَمْ يَأْمُرْ بِهِ الزَّوْجُ وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ: إنْ تَزَوَّجَهَا ثُمَّ فَارَقَهَا فَتَرْجِعُ إلَى زَوْجِهَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ: الْمُحَلِّلُ الَّذِي يَفْسُدُ نِكَاحُهُ هُوَ مَنْ تَزَوَّجَهَا لِيُحِلَّهَا ثُمَّ يُطَلِّقَهَا، فَأَمَّا مَنْ لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ فَعَقْدُهُ صَحِيحٌ لَا دَاخِلَةَ فِيهِ سَوَاءٌ شُرِطَ عَلَيْهِ ذَلِكَ قَبْلَ الْعَقْدِ أَوْ لَمْ يُشْرَطْ، نَوَى ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَنْوِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ: وَهُوَ مَأْجُورٌ
وَرَوَى بِشْرُ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِثْلَ هَذَا سَوَاءً وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ مُحَمَّدٍ وَأَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إذَا نَوَى الثَّانِي وَالْمَرْأَةُ التَّحْلِيلَ لِلْأَوَّلِ لَمْ تَحِلَّ لَهُ بِذَلِكَ وَرَوَى الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ زُفَرَ وَأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إنْ شُرِطَ عَلَيْهِ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ أَنَّهُ إنَّمَا تَزَوَّجَهَا لِيُحِلَّهَا لِلْأَوَّلِ، فَإِنَّهُ نِكَاحٌ صَحِيحٌ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ، وَلَهُ أَنْ يُقِيمَ مَعَهَا فَهَذِهِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، قَالُوا: وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: ٢٣٠] وَهَذَا زَوْجٌ قَدْ عَقَدَ بِمَهْرٍ وَوَلِيٍّ وَرِضَاهَا وَخُلُوِّهَا عَنْ الْمَوَانِعِ الشَّرْعِيَّةِ وَهُوَ رَاغِبٌ فِي رَدِّهَا إلَى زَوْجِهَا الْأَوَّلِ، فَيَدْخُلُ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " إلَّا نِكَاحَ رَغْبَةٍ " وَهَذَا نِكَاحُ رَغْبَةٍ فِي تَحْلِيلِهَا لِلْمُسْلِمِ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: ٢٣٠] وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا شَرَطَ فِي عَوْدِهَا إلَى الْأَوَّلِ مُجَرَّدَ ذَوْقِ الْعُسَيْلَةِ بَيْنَهُمَا، فَالْعُسَيْلَةُ حَلَّتْ لَهُ بِالنَّصِّ
وَأَمَّا لَعْنُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْمُحَلِّلِ فَلَا رَيْبَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ كُلَّ مُحَلِّلٍ وَمُحَلَّلٍ لَهُ، فَإِنَّ الْوَلِيَّ مُحَلِّلٌ لِمَا كَانَ حَرَامًا قَبْلَ الْعَقْدِ، وَالْحَاكِمَ الْمُزَوِّجَ مُحَلِّلٌ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ، وَالْبَائِعَ أَمَتَهُ مُحَلِّلٌ لِلْمُشْتَرِي وَطْأَهَا، فَإِنْ قُلْنَا: الْعَامُّ إذَا خُصِّصَ صَارَ مُجْمَلًا، فَلَا احْتِجَاجَ بِالْحَدِيثِ وَإِنْ قُلْنَا: هُوَ حُجَّةٌ فِيمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute