للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[نيل الأوطار]

النِّكَاحُ، وَلَكِنَّ حَدِيثَ كَعْبٍ لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي الْفَسْخِ لِأَنَّ قَوْلَهُ: " خُذِي عَلَيْكِ ثِيَابَكِ " وَفِي رِوَايَةٍ: " الْحَقِي بِأَهْلِكِ " يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ كِنَايَةَ طَلَاقٍ وَقَدْ ذَهَبَ جُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ إلَى أَنَّهُ يُفْسَخُ النِّكَاحُ بِالْعُيُوبِ وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي تَفَاصِيلِ ذَلِكَ وَفِي تَعْيِينِ الْعُيُوبِ الَّتِي يُفْسَخُ بِهَا النِّكَاحُ

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَعُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهَا لَا تُرَدُّ النِّسَاءُ إلَّا بِأَرْبَعَةِ عُيُوبٍ: الْجُنُونُ وَالْجُذَامُ وَالْبَرَصُ وَالدَّاءُ فِي الْفَرْجِ، وَخَالَفَ النَّاصِرُ فِي الْبَرَصِ فَلَمْ يَجْعَلْهُ عَيْبًا يُرَدُّ بِهِ النِّكَاحُ، وَالرَّجُلُ يُشَارِكُ الْمَرْأَةَ فِي الْجُنُونِ وَالْجُذَامِ وَالْبَرَصِ، وَتَفْسَخُهُ الْمَرْأَةُ بِالْجَبِّ وَالْعُنَّةِ وَذَهَبَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ إلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ تُرَدُّ بِكُلِّ عَيْبٍ تُرَدُّ بِهِ الْجَارِيَةُ فِي الْبَيْعِ وَرَجَّحَهُ ابْنُ الْقَيِّمِ وَاحْتَجَّ لَهُ فِي الْهَدْيِ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْبَيْعِ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: يُفْسَخُ النِّكَاحُ بِكُلِّ دَاءٍ عُضَالٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ، وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ: إنَّ الزَّوْجَ لَا يَرُدُّ الزَّوْجَةَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ الطَّلَاقَ بِيَدِهِ وَالزَّوْجَةُ لَا تَرُدُّهُ بِشَيْءٍ إلَّا الْجَبَّ وَالْعُنَّةَ، وَزَادَ مُحَمَّدٌ: الْجُذَامُ وَالْبَرَصُ، وَزَادَتْ الْهَادَوِيَّةُ عَلَى مَا سَلَفَ: الرِّقُّ وَعَدَمُ الْكَفَاءَةِ فِي الرَّجُلِ أَوْ الْمَرْأَةِ، وَالرَّتَقُ وَالْعَفَلُ وَالْقَرْنُ فِي الْمَرْأَةِ، وَالْجَبُّ وَالْخِصَاءُ وَالسُّلُّ فِي الرَّجُلِ، وَالْكَلَامُ مَبْسُوطٌ عَلَى الْعُيُوبِ الَّتِي يَثْبُتُ بِهَا الرَّدُّ وَالْمِقْدَارُ الْمُعْتَبَرُ مِنْهَا وَتَعْدَادُهَا فِي الْكُتُبِ الْفِقْهِيَّةِ

وَمَنْ أَمْعَنَ النَّظَرَ لَمْ يَجِدْ فِي الْبَابِ مَا يَصْلُحُ لِلِاسْتِدْلَالِ بِهِ عَلَى الْفَسْخِ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ أَمَّا حَدِيثُ كَعْبٍ فَلِمَا أَسْلَفْنَا مِنْ كَوْنِهِ غَيْرَ صَرِيحٍ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ لِذَلِكَ الِاحْتِمَالِ وَأَمَّا أَثَرُ عُمَرَ فَلِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ لَيْسَ بِحُجَّةٍ، نَعَمْ حَدِيثُ بَرِيرَةَ الَّذِي سَلَفَ دَلِيلٌ عَلَى ثُبُوتِ الْفَسْخِ لِلرِّقِّ إذَا عَتَقَ، وَأَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ فَمُحْتَاجٌ إلَى دَلِيلٍ. قَوْلُهُ: (وَصَدَاقُ الرَّجُلِ عَلَى مَنْ غَرَّهُ) قَدْ ذَهَبَ إلَى هَذَا مَالِكٌ وَأَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ وَالْهَادَوِيَّةُ فَقَالُوا: إنَّهُ يَرْجِعُ الزَّوْجُ بِالْمَهْرِ عَلَى مَنْ غَرَّرَ عَلَيْهِ بِأَنْ أَوْهَمَهُ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا عَيْبَ فِيهَا فَانْكَشَفَ أَنَّهَا مَعِيبَةٌ بِأَحَدِ تِلْكَ الْعُيُوبِ وَلَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَعْلَمَ بِذَلِكَ الْعَيْبِ لَا إذَا جَهِلَ وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ أَنَّهُ لَا رُجُوعَ لِزَوْجٍ عَلَى أَحَدٍ لِأَنَّهُ قَدْ لَزِمَهُ الْمَهْرُ بِالْمَسِيسِ

وَقَالَ الْمُؤَيَّدُ بِاَللَّهِ وَأَبُو طَالِبٍ: إنَّهُ يَرْجِعُ الزَّوْجُ بِالْمَهْرِ عَلَى الْمَرْأَةِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَ عُمَرَ لَا يَصْلُحُ لِلِاحْتِجَاجِ بِهِ وَتَضْمِينُ الْغَيْرِ بِلَا دَلِيلٍ لَا يَحِلُّ، فَإِنْ كَانَ الْفَسْخُ بَعْدَ الْوَطْءِ فَقَدْ اسْتَوْفَى الزَّوْجُ مَا فِي مُقَابَلَةِ الْمَهْرِ فَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى أَحَدٍ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْوَطْءِ فَالرُّجُوعُ عَلَى الْمَرْأَةِ أَوْلَى لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَوْفِ مِنْهَا مَا فِي مُقَابَلَةِ الْمَهْرِ، وَلَا سِيَّمَا عَلَى أَصْلِ الْهَادَوِيَّةِ لِأَنَّ الْفَسْخَ بِعَيْبٍ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجَةِ وَلَا شَيْءَ لَهَا عِنْدَهُمْ فِيمَا كَانَ كَذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>