. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نيل الأوطار]
قَوْلُهُ: «وَزْنِ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ» فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: " نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ " وَرَجَّحَهَا الدَّاوُدِيُّ وَاسْتَنْكَرَ رِوَايَةَ مَنْ رَوَى وَزْنَ نَوَاةٍ. قَالَ الْحَافِظُ: وَاسْتِنْكَارُهُ الْمُنْكَرَ؛ لِأَنَّ الَّذِينَ جَزَمُوا بِذَلِكَ أَئِمَّةٌ حُفَّاظٌ قَالَ عِيَاضٌ: لَا وَهْمَ فِي الرِّوَايَةِ لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ نَوَاةَ تَمْرٍ أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ كَانَ لِلنَّوَاةِ قَدْرٌ مَعْلُومٌ صَحَّ أَنْ يُقَالَ فِي كُلِّ ذَلِكَ وَزْنُ نَوَاةٍ، فَقِيلَ: الْمُرَادُ وَاحِدَةُ نَوَى التَّمْرِ، وَإِنَّ الْقِيمَةَ عَنْهَا يَوْمَئِذٍ كَانَتْ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ. وَقِيلَ: كَانَ قَدْرُهَا يَوْمَئِذٍ رُبْعَ دِينَارٍ. وَرُدَّ بِأَنَّ نَوَى التَّمْرِ يَخْتَلِفُ فِي الْوَزْنِ فَكَيْفَ يُجْعَلُ مِعْيَارًا لِمَا يُوزَنُ بِهِ. وَقِيلَ: لَفْظُ النَّوَاةِ مِنْ ذَهَبٍ عِبَارَةٌ عَمَّا قِيمَتُهُ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ مِنْ الْوَرِقِ، وَجَزَمَ بِهِ الْخَطَّابِيِّ وَاخْتَارَهُ الْأَزْهَرِيُّ وَنَقَلَهُ عِيَاضٌ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ.
وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِي رِوَايَةٍ لِلْبَيْهَقِيِّ: وَزْنِ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ قُوِّمَتْ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ. وَقِيلَ: وَزْنُهَا مِنْ الذَّهَبِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، حَكَاهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ فَارِسٍ وَجَعَلَهُ الْبَيْضَاوِيُّ الظَّاهِرَ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِلْبَيْهَقِيِّ: قُوِّمَتْ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ وَثُلُثًا، وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ وَلَكِنْ جَزَمَ بِهِ أَحْمَدُ، وَقِيلَ: ثَلَاثَةٌ وَنِصْفٌ، وَقِيلَ: ثَلَاثَةٌ وَرُبْعٌ. وَعَنْ بَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ: النَّوَاةُ عِنْدَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ رُبْعُ دِينَارٍ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِلطَّبَرَانِيِّ: قَالَ أَنَسٌ: حَزَرْنَاهَا رُبْعَ دِينَارٍ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: النَّوَاةُ: رُبْعُ النَّشِّ، وَالنَّشُّ: نِصْفُ أُوقِيَّةٍ، وَالْأُوقِيَّةُ: أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا
فَتَكُونُ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ. وَكَذَا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: إنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ دَفَعَ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ وَهِيَ تُسَمَّى نَوَاةً كَمَا تُسَمَّى الْأَرْبَعُونَ: أُوقِيَّةً، وَبِهِ جَزَمَ أَبُو عَوَانَةَ وَآخَرُونَ. وَالْأَحَادِيثُ الْمَذْكُورَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَهْرُ شَيْئًا حَقِيرًا كَالنَّعْلَيْنِ وَالْمُدِّ مِنْ الطَّعَامِ وَوَزْنِ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ. قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ مِثْلَ الشَّيْءِ الَّذِي لَا يَتَمَوَّلُ وَلَا لَهُ قِيمَةٌ لَا يَكُونُ صَدَاقًا وَلَا يَحِلُّ بِهِ النِّكَاحُ، فَإِنْ ثَبَتَ نَقْلُهُ فَقَدْ خَرَقَ هَذَا الْإِجْمَاعَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنِ حَزْمٍ فَقَالَ: يَجُوزُ بِكُلِّ شَيْءٍ وَلَوْ كَانَ حَبَّةً مِنْ شَعِيرٍ. وَيُؤَيِّدُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ
الْكَافَّةُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ» كَمَا سَيَأْتِي لِأَنَّهُ أَوْرَدَهُ مَوْرِدَ التَّقْلِيلِ بِالنِّسْبَةِ لِمَا فَوْقَهُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْخَاتَمَ مِنْ الْحَدِيدِ لَهُ قِيمَةٌ وَهُوَ أَعْلَى خَطَرًا مِنْ النَّوَاةِ وَحَبَّةٍ مِنْ شَعِيرٍ.
وَكَذَلِكَ حُكِيَ فِي الْبَحْرِ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَسْمِيَةُ مَا لَا قِيمَةَ لَهُ. قَالَ الْحَافِظُ: وَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ فِي أَقَلِّ الصَّدَاقِ، لَا يَثْبُتُ مِنْهَا شَيْءٌ، وَذَكَرَ مِنْهَا حَدِيثَ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ وَحَدِيثَ جَابِرٍ الْمَذْكُورَيْنِ فِي الْبَابِ، وَحَدِيثَ لَبِيبَةَ مَرْفُوعًا عِنْدَ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ: «مَنْ اسْتَحَلَّ بِدِرْهَمٍ فِي النِّكَاحِ فَقَدْ اسْتَحَلَّ» .
وَحَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي أَثْنَاءِ حَدِيثٍ فِي الْمَهْرِ: «وَلَوْ عَلَى سِوَاكٍ مِنْ أَرَاكٍ» قَالَ: وَأَقْوَى شَيْءٍ فِي ذَلِكَ حَدِيثُ جَابِرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ «كُنَّا نَسْتَمْتِعُ بِالْقَبْضَةِ مِنْ التَّمْرِ وَالدَّقِيقِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ الْبَيْهَقِيّ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي أَقَلِّ الْمَهْرِ فَحُكِيَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْعِتْرَةِ جَمِيعًا وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute