للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[نيل الأوطار]

لِأَنَّ الزَّوْجَيْنِ يَجْتَمِعَانِ. وَقَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: أَصْلُهَا تَمَامُ الشَّيْءِ وَاجْتِمَاعُهُ، وَتَقَعُ عَلَى كُلِّ طَعَامٍ يُتَّخَذُ لِسُرُورٍ. وَتُسْتَعْمَلُ فِي وَلِيمَةِ الْأَعْرَاسِ بِلَا تَقْيِيدٍ وَفِي غَيْرِهَا مَعَ التَّقْيِيدِ، فَيُقَالُ مَثَلًا وَلِيمَةُ مَأْدُبَةٍ، هَكَذَا قَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ، وَحَكَاهُ فِي الْفَتْحِ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ. وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَهُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ الْخَلِيلِ وَثَعْلَبٍ، وَبِهِ جَزَمَ الْجَوْهَرِيُّ وَابْنُ الْأَثِيرِ، أَنَّ الْوَلِيمَةَ هِيَ الطَّعَامُ فِي الْعُرْسِ خَاصَّةً.

قَالَ ابْنُ رَسْلَانَ: وَقَوْلُ أَهْلِ اللُّغَةِ أَقْوَى لِأَنَّهُمْ أَهْلُ اللِّسَانِ وَهُمْ أَعْرَفُ بِمَوْضُوعَاتِ اللُّغَةِ وَأَعْلَمُ بِلِسَانِ الْعَرَبِ، انْتَهَى. وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: الْوَلِيمَةُ فِي اللُّغَةِ وَلِيمَةُ الْعُرْسِ فَقَطْ، وَفِي الشَّرْعِ لِلْوَلَائِمِ الْمَشْرُوعَةِ. وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ: الْوَلِيمَةُ طَعَامُ الْعُرْسِ أَوْ كُلُّ طَعَامٍ صُنِعَ لِدَعْوَةٍ وَغَيْرِهَا، وَأَوْلَمَ: صَنَعَهَا. وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ: الْوَلِيمَةُ: طَعَامُ الْعُرْسِ وَالْإِمْلَاكِ، وَسَيَأْتِي تَفْسِيرُ الْوَلَائِمِ، وَظَاهِرُ الْأَمْرِ الْوُجُوبُ.

وَقَدْ رَوَى الْقَوْلَ بِهِ الْقُرْطُبِيُّ عَنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ، وَقَالَ: مَشْهُورُ الْمَذْهَبِ أَنَّهَا مَنْدُوبَةٌ. وَرَوَى ابْنُ التِّينِ الْوُجُوبَ أَيْضًا عَنْ مَذْهَبِ أَحْمَدَ، لَكِنَّ الَّذِي فِي الْمُغْنِي أَنَّهَا سُنَّةٌ، وَكَذَلِكَ حُكِيَ فِي الْبَحْرِ الْوُجُوبُ عَنْ أَحَدِ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ.

وَحَكَاهُ ابْنُ حَزْمٍ عَنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ. وَقَالَ سُلَيْمٌ الرَّازِيّ: إنَّهُ ظَاهِرُ نَصِّ الْأُمِّ، وَنَقَلَهُ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ عَنْ النَّصِّ، وَحَكَاهُ فِي الْفَتْحِ أَيْضًا عَنْ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ؛ وَبِهَذَا يَظْهَرُ ثُبُوتُ الْخِلَافِ فِي الْوُجُوبِ لَا كَمَا قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ، وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا أَوْجَبَهَا. وَكَذَا قَالَ صَاحِبُ الْمُغْنِي. وَمِنْ جُمْلَةِ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ أَوْجَبَهَا مَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ وَحْشِيِّ بْنِ حَرْبٍ رَفَعَهُ: «الْوَلِيمَةُ حَقٌّ» وَفِي مُسْلِمٍ «شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ» ، ثُمَّ قَالَ: وَهُوَ حَقٌّ وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي الشَّيْخِ وَالطَّبَرَانِيِّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ «الْوَلِيمَةُ حَقٌّ وَسُنَّةٌ، فَمَنْ دُعِيَ إلَيْهَا فَلَمْ يُجِبْ فَقَدْ عَصَى» وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ قَالَ: «لَمَّا خَطَبَ عَلِيٌّ فَاطِمَةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنَّهُ لَا بُدَّ لِلْعَرُوسِ مِنْ وَلِيمَةٍ» . قَالَ الْحَافِظُ: وَسَنَدُهُ لَا بَأْسَ بِهِ. قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ قَوْلُهُ: " حَقٌّ " أَيْ لَيْسَتْ بِبَاطِلٍ بَلْ يُنْدَبُ إلَيْهَا وَهِيَ سُنَّةُ فَضِيلَةٍ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْحَقِّ: الْوُجُوبَ. وَأَيْضًا هُوَ طَعَامٌ لِسُرُورٍ حَادِثٍ فَأَشْبَهَ سَائِرَ الْأَطْعِمَةِ، وَالْأَمْرُ مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَلِكَوْنِهِ أَمَرَ بِشَاةٍ وَهِيَ غَيْرُ وَاجِبَةٍ اتِّفَاقًا. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَقَدْ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي وَقْتِهَا هَلْ هُوَ عِنْدَ الْعَقْدِ أَوْ عَقِبَهُ، أَوْ عِنْدَ الدُّخُولِ أَوْ عَقِبَهُ، أَوْ يُوَسَّعُ مِنْ ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ إلَى انْتِهَاءِ الدُّخُولِ؟ عَلَى أَقْوَالٍ، قَالَ النَّوَوِيُّ: اخْتَلَفُوا فَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ أَنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ اسْتِحْبَابُهَا بَعْدَ الدُّخُولِ، وَعَنْ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ عِنْدَ الْعَقْدِ.

وَعَنْ ابْنِ جُنْدُبٍ عِنْدَ الْعَقْدِ وَبَعْدَ الدُّخُولِ، قَالَ السُّبْكِيُّ: وَالْمَنْقُولُ مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهَا بَعْدَ الدُّخُولِ، انْتَهَى.

وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ التَّصْرِيحُ بِأَنَّهَا بَعْدَ الدُّخُولِ لِقَوْلِهِ: «أَصْبَحَ عَرُوسًا بِزَيْنَبِ فَدَعَا الْقَوْمَ» . قَوْلُهُ: (وَلَوْ بِشَاةٍ) لَوْ هَذِهِ لَيْسَتْ الِامْتِنَاعِيَّةَ، وَإِنَّمَا هِيَ

<<  <  ج: ص:  >  >>