للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[نيل الأوطار]

وَأَحَادِيثُ الْبَابِ وَآثَارُهُ فِيهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الدُّخُولُ فِي الدَّعْوَةِ يَكُونُ فِيهَا مُنْكَرٌ مِمَّا نَهَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ إظْهَارِ الرِّضَا بِهَا.

قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَحَاصِلُهُ إنْ كَانَ هُنَاكَ مُحَرَّمٌ وَقَدَرَ عَلَى إزَالَتِهِ فَأَزَالَهُ فَلَا بَأْسَ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ فَلْيَرْجِعْ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُكْرَهُ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ فَلَا يُخْفِي الْوَرَعَ. وَقَالَ: وَقَدْ فَصَّلَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ لَهْوٌ مِمَّا اُخْتُلِفَ فِيهِ فَيَجُوزُ الْحُضُورُ، وَالْأَوْلَى التَّرْكُ، وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ حَرَامٌ كَشُرْبِ الْخَمْرِ نُظِرَ، فَإِنْ كَانَ الْمَدْعُوُّ مِمَّنْ إذَا حَضَرَ رُفِعَ لِأَجْلِهِ فَلْيَحْضُرْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَفِيهِ لِلشَّافِعِيَّةِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: يَحْضُرُ وَيُنْكِرُ بِحَسَبِ قُدْرَتِهِ وَإِنْ كَانَ الْأَوْلَى أَنْ لَا يَحْضُرَ.

قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَعَلَيْهِ جَرَى الْعِرَاقِيُّونَ مِنْ أَصْحَابِهِ. وَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ: لَا بَأْسَ أَنْ يَقْعُدَ وَيَأْكُلَ إذَا لَمْ يَكُنْ يُقْتَدَى بِهِ فَإِنْ كَانَ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى مَنْعِهِمْ فَلْيَخْرُجْ لِمَا فِيهِ مِنْ شَيْنِ الدِّينِ وَفَتْحِ بَابِ الْمَعْصِيَةِ. وَحُكِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَعَدَ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ وَقَعَ لَهُ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ مُقْتَدًى بِهِ. قَالَ: هَذَا كُلُّهُ بَعْدَ الْحُضُورِ، فَإِنْ عَلِمَ قَبْلَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ الْإِجَابَةُ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي لِلشَّافِعِيَّةِ: تَحْرِيمُ الْحُضُورِ لِأَنَّهُ كَالرِّضَا بِالْمُنْكَرِ، وَصَحَّحَهُ الْمَرْوَزِيِّ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ حَتَّى حَضَرَ فَلْيَنْهَهُمْ، فَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا فَلْيَخْرُجْ إلَّا إنْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ ذَلِكَ. وَعَلَى ذَلِكَ جَرَى الْحَنَابِلَةُ، وَكَذَا اعْتَبَرَ الْمَالِكِيَّةُ فِي وُجُوبِ الْإِجَابَةِ أَنْ لَا يَكُونَ هُنَاكَ مُنْكَرٌ، وَكَذَلِكَ الْهَادَوِيَّةُ.

وَحَكَى ابْنُ بَطَّالٍ وَغَيْرُهُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الْهَيْبَةِ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَحْضُرَ مَوْضِعًا فِيهِ لَهْوٌ أَصْلًا، وَيُؤَيِّدُ مَنْعَ الْحُضُورِ حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ إجَابَةِ طَعَامِ الْفَاسِقِينَ» أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ. قَوْلُهُ: (فَلَا يَدْخُلْ الْحَمَّامَ. . . إلَخْ) قَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي بَابِ مَا جَاءَ فِي دُخُولِ الْحَمَّامِ مِنْ كِتَابِ الْغُسْلِ. قَوْلُهُ: (فَرَأَى الْبَيْتَ قَدْ سُتِرَ) اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي حُكْمِ سَتْرِ الْبُيُوتِ وَالْجُدْرَانِ فَجَزَمَ جُمْهُورُ الشَّافِعِيَّةِ بِالْكَرَاهَةِ. وَصَرَّحَ الشَّيْخُ نَصْرُ الدِّينِ الْمَقْدِسِيَّ مِنْهُمْ بِالتَّحْرِيمِ.

وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّ اللَّهَ لَمْ يَأْمُرْنَا أَنْ نَكْسُوَ الْحِجَارَةَ وَالطِّينَ، وَجَذَبَ السِّتْرَ حَتَّى هَتَكَهُ» قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هَذِهِ اللَّفْظَةُ تَدُلُّ عَلَى كَرَاهَةِ سَتْرِ الْجُدُرِ، وَإِنْ كَانَ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِ الْحَدِيثِ أَنَّ الْمَنْعَ كَانَ بِسَبَبِ الصُّورَةِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: لَيْسَ فِي السِّيَاقِ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّحْرِيمِ وَإِنَّمَا فِيهِ نَفْيُ الْأَمْرِ بِذَلِكَ، وَنَفْيُ الْأَمْرِ لَا يَسْتَلْزِمُ ثُبُوتَ النَّهْيِ، لَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يُحْتَجَّ بِفِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي هَتْكِهِ. وَقَدْ جَاءَ النَّهْيُ عَنْ سَتْرِ الْجُدُرِ صَرِيحًا مِنْهَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ: «لَا تَسْتُرُوا الْجُدُرَ بِالثِّيَابِ» وَفِي إسْنَادِهِ ضَعْفٌ، وَلَهُ شَاهِدٌ مُرْسَلٌ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، أَخْرَجَهُ ابْنُ وَهْبٍ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِهِ. وَعِنْدَ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ مِنْ حَدِيثِ سَلْمَانَ مَوْقُوفًا أَنَّهُ أَنْكَرَ سَتْرَ الْبَيْتِ. وَقَالَ: " أَمَحْمُومٌ بَيْتُكُمْ وَتَحَوَّلَتْ الْكَعْبَةُ عِنْدَكُمْ؟ ثُمَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>