للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَابُ الْأَوْقَاتِ الَّتِي يُسْتَحَبُّ فِيهَا الْبِنَاءُ عَلَى النِّسَاءِ وَمَا يَقُولُ إذَا زُفَّتْ إلَيْهِ

٢٧٧٢ - (عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «تَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي شَوَّالٍ وَبَنَى بِي فِي

ــ

[نيل الأوطار]

عُمُومَ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّمَا نَهَيْتُ عَنْ صَوْتَيْنِ أَحْمَقَيْنِ» الْخَبَرُ وَنَحْوُهُ فَيُحْمَلُ عَلَى ضَرْبَةٍ غَيْرِ مُلْهِيَةٍ. قَالَ الْإِمَامُ يَحْيَى: دُفُّ الْمَلَاهِي مُدَوَّرٌ جِلْدُهُ مِنْ رَقٍّ أَبْيَضَ نَاعِمٍ فِي عُرْضِهِ سَلَاسِلُ يُسَمَّى الطَّارُ، لَهُ صَوْتٌ يُطْرِبُ لِحَلَاوَةِ نَغْمَتِهِ، وَهَذَا الْإِشْكَالُ فِي تَحْرِيمِهِ وَتَعَلُّقِ النَّهْيِ بِهِ. وَأَمَّا دُفُّ الْعَرَبِ فَهُوَ عَلَى شَكْلِ الْغِرْبَالِ خَلَا أَنَّهُ لَا خُرُوقَ فِيهِ وَطُولُهُ إلَى أَرْبَعَةِ أَشْبَارٍ، فَهُوَ الَّذِي أَرَادَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهُ الْمَعْهُودُ حِينَئِذٍ. وَقَدْ حَكَى أَبُو طَالِبٍ عَنْ الْهَادِي أَنَّهُ مُحَرَّمٌ أَيْضًا إذْ هُوَ آلَةُ لَهْوٍ. وَحَكَى الْمُؤَيَّدُ بِاَللَّهِ عَنْ الْهَادِي أَنَّهُ يُكْرَهُ فَقَطْ وَهُوَ الَّذِي فِي الْأَحْكَامِ.

وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ: بَلْ مُبَاحٌ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَاضْرِبُوا عَلَيْهِ بِالدُّفُوفِ» وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ لِلْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْبَابِ بَلْ لَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَنْدُوبًا؛ وَلِأَنَّ ذَلِكَ أَقَلُّ مَا يُفِيدُهُ الْأَمْرُ فِي قَوْلِهِ: «أَعْلِنُوا هَذَا النِّكَاحَ» الْحَدِيثَ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا فِي حَدِيثِ الْمَازِنِيِّ الْمَذْكُورِ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَكْرَهُ نِكَاحَ السِّرِّ حَتَّى يُضْرَبَ بِدُفٍّ» . قَوْلُهُ: مَا كَانَ مَعَكُمْ لَهْوٌ قَالَ فِي الْفَتْحِ فِي رِوَايَةِ شَرِيكٍ: «فَقَالَ: هَلْ بَعَثْتُمْ جَارِيَةً تَضْرِبُ بِالدُّفِّ وَتُغَنِّي؟ قُلْتُ: تَقُولُ مَاذَا؟ قَالَ: تَقُولُ:

أَتَيْنَاكُمْ أَتَيْنَاكُمْ ... فَحَيَّانَا وَحَيَّاكُمْ

وَلَوْلَا الذَّهَبُ الْأَحْمَرُ مَا حَلَّتْ بِوَادِيكُمْ ... وَلَوْلَا الْحِنْطَةُ السَّمْرَاءُ مَا سَمِنَتْ عَذَارِيكُمْ

» قَوْلُهُ: (بُنِيَ عَلَيَّ) أَيْ تُزُوِّجَ بِي. قَوْلُهُ: (كَمَجْلِسِكَ) بِكَسْرِ اللَّامِ: أَيْ مَكَانِكَ. قَالَ الْكَرْمَانِيُّ: هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ، أَوْ كَانَ قَبْلَ نُزُولِ آيَةِ الْحِجَابِ أَوْ عِنْدَ الْأَمْنِ مِنْ الْفِتْنَةِ.

قَالَ الْحَافِظُ: وَاَلَّذِي صَحَّ لَنَا بِالْأَدِلَّةِ الْقَوِيَّةِ أَنَّ مِنْ خَصَائِصِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَوَازَ الْخَلْوَةِ بِالْأَجْنَبِيَّةِ وَالنَّظَرِ إلَيْهَا. قَالَ الْكَرْمَانِيُّ: وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الرِّوَايَةُ: كَمَجْلَسِكَ، بِفَتْحِ اللَّامِ. قَوْلُهُ: (يَنْدُبْنَ) مِنْ النُّدْبَةِ بِضَمِّ النُّونِ: وَهِيَ ذِكْرُ أَوْصَافِ الْمَيِّتِ بِالثَّنَاءِ عَلَيْهِ. قَالَ الْمُهَلَّبُ: وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ إعْلَانُ النِّكَاحِ بِالدُّفِّ وَبِالْغِنَاءِ الْمُبَاحِ، وَفِيهِ إقْبَالُ الْإِمَامِ إلَى الْعُرْسِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ لَهْوٌ مَا لَمْ يَخْرُجْ عَنْ حَدِّ الْمُبَاحِ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِي الْغِنَاءِ وَآلَاتِ الْمَلَاهِي مَبْسُوطًا فِي أَبْوَابِ السَّبْقِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

<<  <  ج: ص:  >  >>