للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[نيل الأوطار]

فِي الْجِمَاعِ، وَهُوَ أَيْضًا مَذْهَبُ الْهَادَوِيَّةِ فَيَجُوزُ عِنْدَهُمْ الْعَزْلُ عَنْ الْحُرَّةِ بِغَيْرِ إذْنِهَا عَلَى مُقْتَضَى قَوْلِهِمْ: إنَّهُ لَا حَقَّ لَهَا فِي الْوَطْءِ، وَلَكِنَّهُ وَقَعَ التَّصْرِيحُ فِي كُتُبِ الْهَادَوِيَّةِ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْعَزْلُ عَنْ الْحُرَّةِ إلَّا بِرِضَاهَا، وَيَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِ الْإِذْنِ مِنْ الْحُرَّةِ حَدِيثُ عَمْرٍو الْمَذْكُورُ وَلَكِنْ فِيهِ مَا سَلَفَ.

وَأَمَّا الْأَمَةُ فَإِنْ كَانَتْ زَوْجَةً فَحُكْمُهَا حُكْمُ الْحُرَّةِ. وَاخْتَلَفُوا: هَلْ يُعْتَبَرُ الْإِذْنُ مِنْهَا أَوْ مِنْ سَيِّدِهَا وَإِنْ كَانَتْ سُرِّيَّةً فَقَالَ فِي الْفَتْحِ: يَجُوزُ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَهُمْ إلَّا فِي وَجْهٍ حَكَاهُ الرُّويَانِيُّ فِي الْمَنْعِ مُطْلَقًا كَمَذْهَبِ ابْنِ حَزْمٍ، وَإِنْ كَانَتْ السُّرِّيَّةُ مُسْتَوْلَدَةً فَالرَّاجِحُ الْجَوَازُ فِيهَا مُطْلَقًا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ رَاسِخَةً فِي الْفِرَاشِ. وَقِيلَ: حُكْمُهَا حُكْمُ الْأَمَةِ الْمُزَوَّجَةِ. قَوْلُهُ: (كَذَبَتْ يَهُودُ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْعَزْلِ، وَمِثْلُهُ مَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: «كَانَتْ لَنَا جَوَارٍ وَكُنَّا نَعْزِلُ، فَقَالَتْ الْيَهُودُ: إنَّ تِلْكَ الْمَوْءُودَةُ الصُّغْرَى، فَسُئِلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: كَذَبَتْ الْيَهُودُ لَوْ أَرَادَ اللَّهُ خَلْقَهُ لَمْ يُسْتَطَعْ رَدُّهُ» وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ النَّسَائِيّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلَكِنَّهُ يُعَارِضُ ذَلِكَ مَا فِي حَدِيثِ جُذَامَةَ الْمَذْكُورِ مِنْ تَصْرِيحِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّ ذَلِكَ الْوَأْدُ الْخَفِيُّ.

فَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ جَمَعَ بَيْنَ هَذَا الْحَدِيثِ وَمَا قَبْلَهُ، فَحُمِلَ هَذَا عَلَى التَّنْزِيهِ، وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْبَيْهَقِيّ. وَمِنْهُمْ مَنْ ضَعَّفَ حَدِيثَ جُذَامَةَ هَذَا لِمُعَارَضَتِهِ لِمَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْهُ طُرُقًا. قَالَ الْحَافِظُ: وَهَذَا دَفْعٌ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ بِالتَّوَهُّمِ، وَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ لَا رَيْبَ فِيهِ، وَالْجَمْعُ مُمْكِنٌ. وَمِنْهُمْ مَنْ ادَّعَى أَنَّهُ مَنْسُوخٌ وَرُدَّ بِعَدَمِ مَعْرِفَةِ التَّارِيخِ. وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ حَدِيثُ جُذَامَةَ عَلَى وَفْقِ مَا كَانَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ أَوَّلًا مِنْ مُوَافَقَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ فِيمَا لَمْ يَنْزِلْ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَعْلَمَهُ اللَّهُ بِالْحُكْمِ، فَكَذَّبَ الْيَهُودَ فِيمَا كَانُوا يَقُولُونَهُ وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَابْنُ الْعَرَبِيِّ بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُحَرِّمُ شَيْئًا تَبَعًا لِلْيَهُودِ ثُمَّ يُصَرِّحُ بِتَكْذِيبِهِمْ فِيهِ. وَمِنْهُمْ مَنْ رَجَّحَ حَدِيثَ جُذَامَةَ بِثُبُوتِهِ فِي الصَّحِيحِ وَضَعَّفَ مُقَابِلَهُ بِالِاخْتِلَافِ فِي إسْنَادِهِ وَالِاضْطِرَابِ. قَالَ الْحَافِظُ: وَرُدَّ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَقْدَحُ فِي حَدِيثٍ، لَا فِيمَا يُقَوِّي بَعْضُهُ بَعْضًا فَإِنَّهُ يُعْمَلُ بِهِ وَهُوَ هُنَا كَذَلِكَ وَالْجَمْعُ مُمْكِنٌ. وَرَجَّحَ ابْنُ حَزْمٍ الْعَمَلَ بِحَدِيثِ جُذَامَةَ بِأَنَّ أَحَادِيثَ غَيْرَهَا مُوَافِقَةٌ لِأَصْلِ الْإِبَاحَةِ وَحَدِيثُهَا يَدُلُّ عَلَى الْمَنْعِ. قَالَ: فَمَنْ ادَّعَى أَنَّهُ أُبِيحَ بَعْدَ أَنْ مُنِعَ فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ. وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ حَدِيثَهَا لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي الْمَنْعِ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَسْمِيَتِهِ وَأْدًا خَفِيًّا عَلَى طَرِيقِ التَّشْبِيهِ أَنْ يَكُونَ حَرَامًا.

وَجَمَعَ ابْنُ الْقَيِّمِ فَقَالَ: الَّذِي كَذَبَ فِيهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْيَهُودُ هُوَ زَعْمُهُمْ أَنَّ الْعَزْلَ لَا يُتَصَوَّرُ مَعَهُ الْحَمْلُ أَصْلًا وَجَعَلُوهُ بِمَنْزِلَةِ قَطْعِ النَّسْلِ بِالْوَأْدِ فَأَكْذَبَهُمْ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ الْحَمْلَ إذَا شَاءَ اللَّهُ خَلْقَهُ، وَإِذَا لَمْ يُرِدْ خَلْقَهُ لَمْ يَكُنْ وَأْدًا حَقِيقَةً، وَإِنَّمَا سَمَّاهُ وَأْدًا خَفِيًّا فِي حَدِيثِ جُذَامَةَ لِأَنَّ الرَّجُلَ إنَّمَا يَعْزِلُ هَرَبًا مِنْ الْحَمْلِ فَأَجْرَى قَصْدَهُ لِذَلِكَ مُجْرَى الْوَأْدِ، لَكِنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْوَأْدَ. ظَاهِرٌ بِالْمُبَاشَرَةِ اجْتَمَعَ فِيهِ الْقَصْدُ وَالْفِعْلُ، وَالْعَزْلُ يَتَعَلَّقُ بِالْقَصْدِ فَقَطْ، فَلِذَلِكَ وَصَفَهُ بِكَوْنِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>