. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نيل الأوطار]
الْأَصَمِّ عَنْهُ. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ الشَّافِعِيِّ. وَرَوَى الْحَاكِمُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: سَأَلَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فَقُلْت لَهُ: إنْ كُنْت تُرِيدُ الْمُكَابَرَةَ وَتَصْحِيحَ الرِّوَايَاتِ وَإِنْ لَمْ تَصِحَّ فَأَنْتَ أَعْلَمُ، وَإِنْ تَكَلَّمْتَ بِالْمُنَاصَفَةِ كَلَّمْتُكَ، قَالَ: عَلَى الْمُنَاصَفَةِ، قُلْتُ: فَبِأَيِّ شَيْءٍ حَرَّمْتَهُ؟ قَالَ: يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} [البقرة: ٢٢٢] وَقَالَ: {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: ٢٢٣] وَالْحَرْث لَا يَكُونُ إلَّا فِي الْفَرْجِ: قُلْتُ: أَفَيَكُونُ ذَلِكَ مُحَرِّمًا لِمَا سِوَاهُ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ: فَمَا تَقُولُ لَوْ وَطِئَهَا بَيْنَ سَاقَيْهَا أَوْ فِي أَعْكَانِهَا أَوْ تَحْتَ إبْطَيْهَا أَوْ أَخَذَتْ ذَكَرَهُ بِيَدِهَا أَفِي ذَلِكَ حَرْثٌ؟ قَالَ: لَا، قُلْتُ: فَيَحْرُمُ ذَلِكَ؟ قَالَ: لَا، قُلْتُ: فَلِمَ تَحْتَجُّ بِمَا لَا حُجَّةَ فِيهِ؟ قَالَ: فَإِنَّ اللَّهَ قَالَ: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} [المؤمنون: ٥] الْآيَةَ، قَالَ: فَقُلْتُ: هَذَا مِمَّا يَحْتَجُّونَ بِهِ لِلْجَوَازِ أَنَّ اللَّهَ أَثْنَى عَلَى مَنْ حَفِظَ فَرْجَهُ مِنْ غَيْرِ زَوْجَتِهِ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُهُ، فَقُلْتُ لَهُ: أَنْتَ تَتَحَفَّظُ مِنْ زَوْجَتِكَ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ، انْتَهَى.
وَقَدْ أُجِيبَ عَنْ هَذَا بِأَنَّ الْأَصْلَ تَحْرِيمُ الْمُبَاشَرَةِ إلَّا مَا أَحَلَّ اللَّهُ بِالْعَقْدِ وَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ لِعَدَمِ الْمُشَابَهَةِ فِي كَوْنِهِ مِثْلَهُ مَحَلًّا لِلزَّرْعِ. وَأَمَّا تَحْلِيلُ الِاسْتِمْتَاعِ فِيمَا عَدَا الْفَرْجَ فَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ دَلِيلٍ آخَرَ، وَلَكِنَّهُ لَا يَخْفَى وُرُودُ مَا أَوْرَدَهُ الشَّافِعِيُّ عَلَى مَنْ اسْتَدَلَّ بِالْآيَةِ. وَأَمَّا دَعْوَى أَنَّ الْأَصْلَ تَحْرِيمُ الْمُبَاشَرَةِ فَهَذَا مُحْتَاجٌ إلَى دَلِيلٍ، وَلَوْ سَلِمَ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: ٢٢٣] رَافِعٌ لِلتَّحْرِيمِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ ذَلِكَ الْأَصْلِ، فَيَكُونَ الظَّاهِرُ بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ الْحِلَّ. وَمَنْ ادَّعَى تَحْرِيمَ الْإِتْيَانِ مِنْ مَحَلٍّ مَخْصُوصٍ طُولِبَ بِدَلِيلٍ يَخُصُّ عُمُومَ الْآيَةِ. وَلَا شَكَّ أَنَّ الْأَحَادِيثَ الْمَذْكُورَةَ فِي الْبَابِ الْقَاضِيَةَ بِتَحْرِيمِ إتْيَانِ النِّسَاءِ فِي أَدْبَارِهِنَّ يُقَوِّي بَعْضُهَا بَعْضًا فَتَنْتَهِضُ لِتَخْصِيصِ الدُّبُرِ مِنْ ذَلِكَ الْعُمُومِ، وَأَيْضًا الدُّبُرُ فِي أَصْلِ اللُّغَةِ اسْمٌ لِخِلَافِ الْوَجْهِ، وَلَا اخْتِصَاصَ لَهُ بِالْمَخْرَجِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ} [الأنفال: ١٦] فَلَا يَبْعُدُ حَمْلُ مَا وَرَدَ مِنْ الْأَدْبَارِ عَلَى الِاسْتِمْتَاعِ بَيْنَ الْأَلْيَتَيْنِ.
وَأَيْضًا قَدْ حَرَّمَ اللَّهُ الْوَطْءَ فِي الْفَرْجِ لِأَجْلِ الْأَذَى فَمَا الظَّنُّ بِالْحُشِّ الَّذِي هُوَ مَوْضِعُ الْأَذَى اللَّازِمِ مَعَ زِيَادَةِ الْمَفْسَدَةِ بِالتَّعَرُّضِ لِانْقِطَاعِ النَّسْلِ الَّذِي هُوَ الْعِلَّةُ الْغَائِبَةُ فِي مَشْرُوعِيَّةِ النِّكَاحِ وَالذَّرِيعَةُ الْقَرِيبَةُ جِدًّا الْحَامِلَةُ عَلَى الِانْتِقَالِ مِنْ ذَلِكَ إلَى أَدْبَارِ الْمُرْدِ. وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ الْقَيِّمِ لِذَلِكَ مَفَاسِدَ دِينِيَّةً وَدُنْيَوِيَّةً فَلْيُرَاجَعْ، وَكَفَى مُنَادِيًا عَلَى خَسَاسَتِهِ أَنَّهُ لَا يَرْضَى أَحَدٌ أَنْ يُنْسَبَ إلَيْهِ وَلَا إمَامِهِ تَجْوِيزُ ذَلِكَ، إلَّا مَا كَانَ مِنْ الرَّافِضَةِ مَعَ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ عِنْدَهُمْ، وَأَوْجَبُوا لِلزَّوْجَةِ فِيهِ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ عِوَضَ النُّطْفَةِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ هِيَ إحْدَى مَسَائِلِهِمْ الَّتِي شَذُّوا بِهَا.
وَقَدْ حَكَى الْإِمَامُ الْمَهْدِيُّ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْعِتْرَةِ جَمِيعًا وَأَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ حَرَامٌ. قَالَ الْحَاكِمُ بَعْدَ أَنْ حَكَى عَنْ الشَّافِعِيِّ مَا سَلَفَ: لَعَلَّ الشَّافِعِيَّ كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ فِي الْقَدِيمِ، فَأَمَّا الْجَدِيدُ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ حَرَّمَهُ. وَقَدْ رَوَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute