للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كِتَابُ الطَّلَاقِ بَابُ جَوَازِهِ لِلْحَاجَةِ وَكَرَاهَتِهِ مَعَ عَدَمِهَا وَطَاعَةِ الْوَالِدِ فِيهِ

ــ

[نيل الأوطار]

حِينَ أَسَنَّتْ وَخَافَتْ أَنْ يُفَارِقَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يَا رَسُولَ اللَّهِ يَوْمِي لِعَائِشَةَ، فَقَبِلَ ذَلِكَ مِنْهَا فَفِيهَا وَأَشْبَاهِهَا نَزَلَتْ {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا} [النساء: ١٢٨] الْآيَةَ» . وَرَوَاهُ أَيْضًا ابْنُ سَعْدٍ وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَالتِّرْمِذِيُّ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ. قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ: فَتَوَارَدَتْ هَذِهِ الرِّوَايَاتُ عَلَى أَنَّهَا خَشِيَتْ الطَّلَاقَ فَوَهَبَتْ. قَالَ: وَأَخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ بِسَنَدٍ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ مُرْسَلًا «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَلَّقَهَا فَقَعَدَتْ لَهُ عَلَى طَرِيقِهِ، فَقَالَتْ: وَاَلَّذِي بَعْثَكَ بِالْحَقِّ مَا لِي فِي الرِّجَالِ حَاجَةٌ، وَلَكِنْ أُحِبُّ أَنْ أُبْعَثَ مَعَ نِسَائِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَأَنْشُدُكَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ هَلْ طَلَّقْتَنِي لِمَوْجِدَةٍ وَجَدْتَهَا عَلَيَّ؟ قَالَ: لَا، قَالَتْ: فَأَنْشُدُكَ لِمَا رَاجَعْتَنِي، فَرَاجَعَهَا، قَالَتْ: فَإِنِّي قَدْ جَعَلْت يَوْمِي وَلَيْلَتِي لِعَائِشَةَ حِبَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -»

قَوْلُهُ: (يَوْمَهَا وَيَوْمَ سَوْدَةَ) لَا نِزَاعَ أَنَّهُ يَجُوزُ إذَا كَانَ يَوْمُ الْوَاهِبَةِ وَالِيًا لِيَوْمِ الْمَوْهُوبِ لَهَا بِلَا فَصْلٍ أَنْ يُوَالِيَ الزَّوْجُ بَيْنَ الْيَوْمَيْنِ لِلْمَوْهُوبِ لَهَا؛ وَأَمَّا إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا نَوْبَةُ زَوْجَةٍ أُخْرَى أَوْ زَوْجَاتٍ فَقَالَ الْعُلَمَاءُ: إنَّهُ لَا يُقَدِّمُهُ عَنْ رُتْبَتِهِ فِي الْقَسْمِ إلَّا بِرِضَا مَنْ بَقِيَ، وَهَلْ يَجُوزُ لِلْمَوْهُوبِ لَهَا أَنْ تَمْتَنِعَ عَنْ قَبُولِ النَّوْبَةِ الْمَوْهُوبَةِ؟ فَإِنْ كَانَ قَدْ قَبِلَ الزَّوْجُ لَمْ يَجُزْ لَهَا الِامْتِنَاعُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَدْ قَبِلَ لَمْ يُكْرَهُ عَلَى ذَلِكَ، حُكِيَ ذَلِكَ فِي الْفَتْحِ عَنْ الْعُلَمَاءِ. قَالَ: وَإِنْ وَهَبَتْ يَوْمَهَا لِزَوْجِهَا وَلَمْ تَتَعَرَّضْ لِلضَّرَّةِ فَهَلْ لَهُ أَنْ يَخُصَّ وَاحِدَةً إنْ كَانَ عِنْدَهُ أَكْثَرُ مِنْ اثْنَتَيْنِ أَوْ يُوَزِّعَهُ بَيْنَ مَنْ بَقِيَ؟ قَالَ: وَلِلْوَاهِبَةِ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ الرُّجُوعُ عَنْ ذَلِكَ مَتَى أَحَبَّتْ، لَكِنْ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ لَا فِيمَا مَضَى.

قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلِلْوَاهِبَةِ الرُّجُوعُ مَتَى شَاءَتْ فَيَقْضِيهَا مَا فَوَّتَ بَعْدَ الْعِلْمِ بِرُجُوعِهَا لَا قَبْلَهُ. وَحَدِيثُ عَائِشَةَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَهَبَ يَوْمَهَا لِضَرَّتِهَا وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ. وَالْآيَةُ الْمَذْكُورَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُصَالِحَ زَوْجَهَا إذَا خَافَتْ مِنْهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا بِمَا تَرَاضَيَا عَلَيْهِ مِنْ إسْقَاطِ نَفَقَةٍ أَوْ إسْقَاطِ قَسْمِهَا أَوْ هِبَةِ نَوْبَتِهَا أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَدْخُلُ تَحْتَ عُمُومِ الْآيَةِ. قَوْلُهُ: (قَالَ عَطَاءٌ: الَّتِي لَا يَقْسِمُ لَهَا صَفِيَّةُ) قَدْ ذَكَرَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي أَوَّلِ الْهَدْيِ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى هَدْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي النِّكَاحِ وَالْقَسْمِ أَنَّ هَذَا غَلَطٌ، وَأَنَّ صَفِيَّةَ إنَّمَا سَقَطَتْ نَوْبَتُهَا مِنْ الْقِسْمَةِ مَرَّةً وَاحِدَةً وَقَالَتْ: " هَلْ لَكَ أَنْ تَطِيبَ نَفْسُكَ عَنِّي وَأَجْعَلَ يَوْمِي لِعَائِشَةَ " أَيْ ذَلِكَ الْيَوْمَ بِعَيْنِهِ فِي تِلْكَ الْمَرَّةِ، هَذَا مَعْنَى كَلَامِهِ فَلْيُرَاجَعْ فَإِنَّهُ لَمْ يَحْضُرْنِي وَقْتُ الرَّقْمِ

<<  <  ج: ص:  >  >>