للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[نيل الأوطار]

شُرُوطِ الصَّلَاةِ مِنْ التَّلْخِيصِ، فَلْيُرَاجَعْ.

وَاحْتَجَّ عَطَاءٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} [النحل: ١٠٦] وَقَالَ: الشِّرْكُ أَعْظَمُ مِنْ الطَّلَاقِ، أَخْرَجَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ.

١ -

قَوْلُهُ: (أَبِهِ جُنُونٌ) لَفْظُ الْبُخَارِيِّ: «أَبِكَ جُنُونٌ» وَهَذَا طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ يَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْحُدُودِ.

وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْإِقْرَارَ مِنْ الْمَجْنُونِ لَا يَصِحُّ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ التَّصَرُّفَاتِ وَالْإِنْشَاءَاتِ، وَلَا أَحْفَظُ فِي ذَلِكَ خِلَافًا.

قَوْلُهُ: (فَقَالَ: أَشَرِبَ خَمْرًا) فِيهِ دَلِيلٌ أَيْضًا عَلَى أَنَّ إقْرَارَ السَّكْرَانِ لَا يَصِحُّ، وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَاسَ طَلَاقَ السَّكْرَانِ عَلَى إقْرَارِهِ. وَقَدْ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي ذَلِكَ، فَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ عَدَمَ وُقُوعِ طَلَاقِ السَّكْرَانِ عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ وَعَطَاءٍ وَطَاوُسٍ وَعِكْرِمَةَ وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَبِهِ قَالَ رَبِيعَةُ وَاللَّيْثُ وَإِسْحَاقُ وَالْمُزَنِيِّ وَاخْتَارَهُ الطَّحَاوِيُّ بِأَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ طَلَاقَ الْمَعْتُوهِ لَا يَقَعُ، قَالَ: وَالسَّكْرَانُ مَعْتُوهٌ بِسُكْرٍ وَقَالَ بِوُقُوعِهِ طَائِفَةٌ مِنْ التَّابِعِينَ كَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنِ وَإِبْرَاهِيمَ وَالزُّهْرِيِّ وَالشَّعْبِيِّ وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَعَنْ الشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ: الْمُصَحَّحُ مِنْهُمَا وُقُوعُهُ وَالْخِلَافُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ

وَقَدْ حُكِيَ الْقَوْلُ بِالْوُقُوعِ فِي الْبَحْرِ: عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَمُجَاهِدٍ وَالضَّحَّاكِ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ وَزَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ وَالْهَادِي وَالْمُؤَيَّدِ بِاَللَّهِ. وَحُكِيَ الْقَوْلُ بِعَدَمِ الْوُقُوعِ عَنْ عُثْمَانَ وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَرِوَايَةً عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالنَّاصِرِ وَأَبِي طَالِبٍ وَالْبَتِّيِّ وَدَاوُد. وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِالْوُقُوعِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} [النساء: ٤٣] وَنَهْيُهُمْ حَالَ السُّكْرِ عَنْ قُرْبَانِ الصَّلَاةِ يَقْتَضِي عَدَمَ زَوَالِ التَّكْلِيفِ، وَكُلُّ مُكَلَّفٍ يَصِحُّ مِنْهُ الطَّلَاقُ وَغَيْرُهُ مِنْ الْعُقُودِ وَالْإِنْشَاءَاتِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ النَّهْيَ فِي الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ إنَّمَا هُوَ عَنْ أَصْلِ السُّكْرِ الَّذِي يَلْزَمُ مِنْهُ قُرْبَانُ الصَّلَاةِ كَذَلِكَ

وَقِيلَ: إنَّهُ نَهْيٌ لِلثَّمِلِ الَّذِي يَعْقِلُ الْخِطَابَ، وَأَيْضًا قَوْلُهُ فِي آخِرِ الْآيَةِ: {حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء: ٤٣] دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ السَّكْرَانَ يَقُولُ مَا لَا يَعْلَمُ، وَمَنْ كَانَ كَذَلِكَ فَكَيْفَ يَكُونُ مُكَلَّفًا وَهُوَ غَيْرُ فَاهِمٍ، وَالْفَهْمُ شَرْطُ التَّكْلِيفِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ. وَاحْتَجُّوا ثَانِيًا بِأَنَّهُ عَاصٍ بِفِعْلِهِ فَلَا يَزُولُ عَنْهُ الْخِطَابُ بِالسُّكْرِ وَلَا الْإِثْمِ لِأَنَّهُ يُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلَوَاتِ وَغَيْرِهَا مِمَّا وَجَبَ عَلَيْهِ قَبْلَ وُقُوعِهِ فِي السُّكْرِ. وَأَجَابَ الطَّحَاوِيُّ بِأَنَّهَا لَا تَخْتَلِفُ أَحْكَامُ فَاقِدِ الْعَقْلِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ ذَهَابُ عَقْلِهِ بِسَبَبٍ مِنْ جِهَتِهِ أَوْ مِنْ جِهَةِ غَيْرِهِ، إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ عَجَزَ عَنْ الْقِيَامِ فِي الصَّلَاةِ بِسَبَبٍ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ أَوْ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ كَمَنْ كَسَرَ رِجْلَ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ فَرْضُ الْقِيَامِ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْقِيَامَ انْتَقَلَ إلَى بَدَلٍ وَهُوَ الْقُعُودُ فَافْتَرَقَا

وَأَجَابَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الِاحْتِجَاجِ بِقَضَاءِ الصَّلَوَاتِ بِأَنَّ النَّائِمَ يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ الصَّلَاةِ، وَلَا يَقَعُ طَلَاقُهُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ حَالَ نَوْمِهِ بِلَا نِزَاعٍ. وَاحْتَجُّوا ثَالِثًا بِأَنَّ رَبْطَ الْأَحْكَامِ بِأَسْبَابِهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>