٢٤١ - (وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: «احْتَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى غَسْلِ مَحَاجِمِهِ» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ) .
ــ
[نيل الأوطار]
مِنْ حَدِيثِ السَّائِبِ بْنِ خَبَّابُ بِلَفْظِ: «لَا وُضُوءَ إلَّا مِنْ رِيحٍ أَوْ سَمَاعٍ» وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْت أَبِي، وَذَكَرَ حَدِيثَ شُعْبَةَ عَنْ سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «لَا وُضُوءَ إلَّا مِنْ صَوْتٍ أَوْ رِيحٍ» فَقَالَ أَبِي: هَذَا وَهْمٌ اخْتَصَرَ شُعْبَةُ مِنْ الْحَدِيثِ، وَقَالَ: (لَا وُضُوءَ إلَّا مِنْ صَوْتٍ أَوْ رِيحٍ) وَرَوَاهُ أَصْحَابُ سُهَيْلٍ بِلَفْظِ: «إذَا كَانَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ فَوَجَدَ رِيحًا مِنْ نَفْسِهِ فَلَا يَخْرُجْ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا» وَشُعْبَةُ إمَامٌ حَافِظٌ وَاسِعُ الرِّوَايَةِ.
وَقَدْ رُوِيَ هَذَا اللَّفْظُ بِهَذِهِ الصِّيغَةِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى الْحَصْرِ وَدِينُهُ وَإِمَامَتُهُ وَمَعْرِفَتُهُ بِلِسَانِ الْعَرَبِ يَرُدُّ مَا ذَكَرَهُ أَبُو حَاتِمٍ، فَالْوَاجِبُ الْبَقَاءُ عَلَى الْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ الْمُعْتَضَدَةِ بِهَذِهِ الْكُلِّيَّةِ الْمُسْتَفَادَةِ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَلَا يُصَارُ إلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الدَّمَ أَوْ الْقَيْءَ نَاقِضٌ إلَّا لِدَلِيلٍ نَاهِضٍ، وَالْجَزْمُ بِالْوُجُوبِ قَبْلَ صِحَّةِ الْمُسْتَنَدِ كَالْجَزْمِ بِالتَّحْرِيمِ قَبْلَ صِحَّةِ النَّقْلِ وَالْكُلُّ مِنْ التَّقَوُّلِ عَلَى اللَّهِ بِمَا لَمْ يَقُلْ، وَمِنْ الْمُؤَيِّدَاتِ لِمَا ذَكَرْنَا حَدِيثُ (أَنَّ عَبَّادَ بْنَ بِشْرٍ أُصِيبَ بِسِهَامٍ وَهُوَ يُصَلِّي فَاسْتَمَرَّ فِي صَلَاتِهِ) عِنْدَ الْبُخَارِيِّ تَعْلِيقًا، وَأَبِي دَاوُد وَابْنِ خُزَيْمَةَ وَيَبْعُدُ أَنْ لَا يَطَّلِعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مِثْلِ هَذِهِ الْوَاقِعَةِ الْعَظِيمَةِ وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ بِأَنَّ صَلَاتَهُ قَدْ بَطَلَتْ، وَأَمَّا الْمَذْيُ فَقَدْ صَحَّتْ الْأَدِلَّةُ فِي إيجَابِهِ لِلْوُضُوءِ، وَقَدْ أَسْلَفْنَا الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ. فِي بَابِ مَا جَاءَ فِي الْمَذْيِ مِنْ أَبْوَابِ تَطْهِيرِ النَّجَاسَةِ، وَفِي الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَفْسُدُ عَلَى الْمُصَلِّي إذَا سَبَقَهُ الْحَدَثُ، وَلَمْ يَتَعَمَّدْ خُرُوجَهُ، وَقَدْ ذَهَبَ إلَى ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ وَصَاحِبَاهُ وَمَالِكٌ.
وَرُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ وَقَدِيمِ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ، وَالْخِلَافُ فِي ذَلِكَ لِلْهَادِي وَالنَّاصِرِ وَالشَّافِعِيِّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ، فَإِنْ تَعَمَّدَ خُرُوجَهُ فَإِجْمَاعٌ عَلَى أَنَّهُ نَاقِضٌ، وَاسْتُدِلَّ عَلَى النَّقْضِ بِحَدِيثِ: «إذَا فَسَا أَحَدُكُمْ فَلْيَنْصَرِفْ وَلْيَتَوَضَّأْ وَلْيَسْتَأْنِفْ الصَّلَاةَ» أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَلَعَلَّهُ يَأْتِي فِي الصَّلَاةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَمَامُ تَحْقِيقِ الْبَحْثِ.
٢٤١ - (وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: «احْتَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى غَسْلِ مَحَاجِمِهِ» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ) . الْحَدِيثُ رَوَاهُ أَيْضًا الْبَيْهَقِيُّ قَالَ الْحَافِظُ: وَفِي إسْنَادِهِ صَالِحُ بْنُ مُقَاتِلٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَادَّعَى ابْنُ الْعَرَبِيِّ أَنَّ الدَّارَقُطْنِيّ صَحَّحَهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ قَالَ عَقِبَهُ فِي السُّنَنِ: صَالِحُ بْنُ مُقَاتِلٍ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ. وَذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي فَصْلِ الضَّعِيفِ.
وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ خُرُوجَ الدَّمِ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي الَّذِي قَبْلَهُ، قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: وَقَدْ صَحَّ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ تَرْكُ الْوُضُوءِ مِنْ يَسِيرِ الدَّمِ وَيُحْمَلُ حَدِيثُ أَنَسٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute