كِتَابُ الْإِيلَاءُ
ــ
[نيل الأوطار]
الْبَصْرِيِّ. وَقَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ: ذَوْقُ الْعُسَيْلَةِ كِنَايَةٌ عَنْ الْجِمَاعِ، وَهُوَ تَغْيِيبُ حَشَفَةِ الرَّجُلِ فِي فَرْجِ الْمَرْأَةِ. وَحَدِيثُ عَائِشَةَ الْمَذْكُورُ فِي الْبَابِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، وَزَادَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ حُصُولَ الْإِنْزَالِ. قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: شَذَّ الْحَسَنُ فِي هَذَا وَخَالَفَ الْفُقَهَاءَ وَقَالُوا: يَكْفِي مَا يُوجِبُ الْحَدَّ وَيُحْصِنُ الشَّخْصَ وَيُوجِبُ كَمَالَ الصَّدَاقِ وَيُفْسِدُ الْحَجَّ وَالصَّوْمَ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: الْعُسَيْلَةُ: لَذَّةُ الْجِمَاعِ، وَالْعَرَبُ تُسَمِّي كُلَّ شَيْءٍ تَسْتَلِذُّهُ عَسَلًا
وَأَحَادِيثُ الْبَابِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ فِيمَنْ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا ثَلَاثًا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا زَوْجٌ آخَرُ مِنْ الْوَطْءِ فَلَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ إلَّا بَعْدَهُ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى اشْتِرَاطِ الْجِمَاعِ لِتَحِلَّ لِلْأَوَّلِ إلَّا سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ ثُمَّ سَاقَ بِسَنَدِهِ الصَّحِيحِ عَنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَهَذَا الْقَوْلُ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا وَافَقَهُ عَلَيْهِ إلَّا طَائِفَةً مِنْ الْخَوَارِجِ، وَلَعَلَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ الْحَدِيثُ فَأَخَذَ بِظَاهِرِ الْقُرْآنِ. وَقَدْ نَقَلَ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ فِي مَعَانِي الْقُرْآنِ وَعَبْدُ الْوَهَّابِ الْمَالِكِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ مِثْلَ قَوْلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: وَكَذَلِكَ حَكَى ابْنُ الْجَوْزِيِّ عَنْ دَاوُد أَنَّهُ وَافَقَ فِي ذَلِكَ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَيُسْتَفَادُ مِنْ الْحَدِيثِ عَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ: أَنَّ الْحُكْمَ يَتَعَلَّقُ بِأَقَلِّ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ لَا بُدَّ مِنْ حُصُولِ جَمِيعِهِ وَاسْتُدِلَّ بِإِطْلَاقِ الذَّوْقِ لَهُمَا عَلَى اشْتِرَاطِ عِلْمِ الزَّوْجَيْنِ بِهِ حَتَّى لَوْ وَطِئَهَا نَائِمَةً أَوْ مُغْمًى عَلَيْهَا لَمْ يَكْفِ ذَلِكَ وَلَوْ أَنْزَلَ هُوَ. وَبَالَغَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فَنَقَلَهُ عَنْ جَمِيعِ الْفُقَهَاءِ
وَاسْتُدِلَّ بِأَحَادِيثِ الْبَابِ عَلَى جَوَازِ رُجُوعِهَا إلَى زَوْجِهَا الْأَوَّلِ إذَا حَصَلَ الْجِمَاعُ مِنْ الثَّانِي وَيَعْقُبُهُ الطَّلَاقُ مِنْهُ لَكِنَّ شَرْطَ الْمَالِكِيَّةِ - وَنُقِلَ عَنْ عُثْمَانَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ - أَنْ لَا يَكُونَ فِي ذَلِكَ مُخَادَعَةٌ مِنْ الزَّوْجِ الثَّانِي وَلَا إرَادَةُ تَحْلِيلِهَا لِلْأَوَّلِ. وَقَالَ الْأَكْثَرُ: إنْ شُرِطَ ذَلِكَ فِي الْعَقْدِ فَسَدَ وَإِلَّا فَلَا، وَقَدْ قَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَى التَّحْلِيلِ. وَمِمَّا يُسْتَدَلُّ بِأَحَادِيثِ الْبَابِ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا حَقَّ لِلْمَرْأَةِ فِي الْجِمَاعِ، لِأَنَّ هَذِهِ الْمَرْأَةَ شَكَتْ أَنَّ زَوْجَهَا لَا يَطَؤُهَا وَأَنَّ ذَكَرَهُ لَا يَنْتَشِرُ وَأَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ مَا يُغْنِي عَنْهَا وَلَمْ يَفْسَخْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نِكَاحَهَا، وَفِي ذَلِكَ خِلَافٌ مَعْرُوفٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute