. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نيل الأوطار]
الْأُصُولِ، لَكِنَّ حَدِيثَ سُبَيْعَةَ وَسَائِرَ الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْبَابِ نَصٌّ بِأَنَّهَا تَنْقَضِي عِدَّةُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ، وَفِي ذَلِكَ أَحَادِيثُ أُخَرُ. مِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَالْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ مَرْدُوَيْهِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ كُنْتُ أَنَا وَابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: أَفْتِنِي فِي امْرَأَةٍ وَلَدَتْ بَعْدَ زَوْجِهَا بِأَرْبَعِينَ لَيْلَةً، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: تَعْتَدُّ آخِرَ الْأَجَلَيْنِ. وَقُلْت أَنَا: {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: ٤] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ذَلِكَ فِي الطَّلَاقِ وَقَالَ أَبُو سَلَمَةَ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ امْرَأَةً تَأَخَّرَ حَمْلُهَا سَنَةً فَمَا عِدَّتُهَا؟ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: آخِرُ الْأَجَلَيْنِ. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَنَا مَعَ ابْنِ أَخِي. يَعْنِي أَبَا سَلَمَةَ، فَأَرْسَلَ ابْنُ عَبَّاسٍ غُلَامَهُ كُرَيْبًا إلَى أُمِّ سَلَمَةَ يَسْأَلُهَا: هَلْ مَضَتْ فِي ذَلِكَ سُنَّةٌ؟ فَذَكَرَتْ أَنَّ سُبَيْعَةَ الْأَسْلَمِيَّةَ وَضَعَتْ بَعْدَ مَوْتِ زَوْجِهَا بِأَرْبَعِينَ لَيْلَةً، فَخُطِبَتْ فَأَنْكَحَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ مَرْدُوَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي السَّنَابِلِ: «أَنَّ سُبَيْعَةَ وَضَعَتْ بَعْدَ مَوْتِ زَوْجِهَا بِثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قَدْ حَلَّ أَجَلُهَا» وَأَخْرَجَ ابْنُ شَيْبَةَ وَابْنُ مَرْدُوَيْهِ مِنْ حَدِيثِ سُبَيْعَةَ نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ مِنْ حَدِيثِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ نَحْوَ ذَلِكَ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ " أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَلِيًّا يَقُولُ: تَعْتَدُّ آخِرَ الْأَجَلَيْنِ فَقَالَ: مَنْ شَاءَ لَاعَنْتُهُ إنَّ الْآيَةَ الَّتِي فِي سُورَةِ النِّسَاءِ الْقُصْرَى نَزَلَتْ بَعْدَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ بِكَذَا وَكَذَا شَهْرًا.
وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْهُ " إنَّهَا نَسَخَتْ مَا فِي الْبَقَرَةِ ". وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدُوَيْهِ عَنْهُ " إنَّهَا نَسَخَتْ سُورَةُ النِّسَاءِ الصُّغْرَى كُلَّ عِدَّةٍ ". وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدُوَيْهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: " نَزَلَتْ سُورَةُ النِّسَاءِ بَعْدَ الَّتِي فِي الْبَقَرَةِ بِسَبْعِ سِنِينَ "
وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ وَالْآثَارُ مُصَرِّحَةٌ بِأَنَّ قَوْله تَعَالَى: {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: ٤] عَامَّةٌ فِي جَمِيعِ الْعِدَدِ، وَأَنَّ عُمُومَ آيَةِ الْبَقَرَةِ مُخَصَّصٌ بِهَا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ الصَّرِيحَةَ حُجَّةٌ لَا يُمْكِنُ التَّخَلُّصُ عَنْهَا بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ عَلَى فَرْضِ عَدَمِ اتِّضَاحِ الْأَمْرِ بِاعْتِبَارِ مَا فِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ وَأَنَّ الْآيَتَيْنِ مِنْ بَابِ تَعَارُضِ الْعُمُومَيْنِ، مَعَ أَنَّهُ قَدْ تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ الْجُمُوعَ الْمُنْكَرَةَ لَا عُمُومَ فِيهَا فَلَا تَكُونُ آيَةُ الْبَقَرَةِ عَامَّةً؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: {وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا} [البقرة: ٢٣٤] مِنْ ذَلِكَ الْقَبِيلِ فَلَا إشْكَالَ. وَحَدِيثُ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَالزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَامّ يَدُلَّانِ عَلَى أَنَّهَا تَنْقَضِي عِدَّةُ الْمُطَلَّقَةِ بِالْوَضْعِ لِلْحَمْلِ مِنْ الزَّوْجِ وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، حَكَى ذَلِكَ فِي الْبَحْرِ لِدُخُولِهَا تَحْتَ عُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: ٤] وَإِنَّمَا تَعْتَدُّ بِوَضْعِهِ حَيْثُ لَحِقَ وَإِلَّا فَلَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute