. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نيل الأوطار]
أَنَّ الْأَقْرَاءَ هِيَ الْحِيَضُ
أَمَّا الْأَوَّلُ فَهُوَ صَرِيحُ قَوْله تَعَالَى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: ٢٢٨] وَإِنَّمَا وَقَعَ الْخِلَافُ فِي الْأَقْرَاءِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْآيَةِ: هَلْ هِيَ الْأَطْهَارُ أَوْ الْحِيَضُ؟ فَظَاهِرُ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " تَعْتَدُّ بِثَلَاثِ حِيَضٍ " وَقَوْلِهِ: " تَجْلِسُ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا " وَقَوْلِهِ: " وَعِدَّتُهَا حَيْضَتَانِ " أَنَّ الْأَقْرَاءَ هِيَ الْحَيْضُ، وَقِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ: قُرُوءٌ بِالْهَمْزِ. وَعَنْ نَافِعٍ بِتَشْدِيدِ الْوَاوِ بِغَيْرِ هَمْزٍ. قَالَ الْأَخْفَشُ أَقْرَأَتْ الْمَرْأَةُ: إذَا صَارَتْ ذَاتَ حَيْضٍ. وَعَنْ أَبِي عُبَيْدٍ أَنَّ الْقُرْءَ يَكُونُ بِمَعْنَى الطُّهْرِ، وَبِمَعْنَى الضَّمِّ وَالْجَمْعِ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ بَطَّالٍ.
وَفِي الْقَامُوسِ: الْقَرْءُ، وَيُضَمُّ: الْحَيْضُ وَالطُّهْرُ، انْتَهَى. وَزَعَمَ كَثِيرٌ أَنَّ الْقُرْءَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ، وَقَدْ أَنْكَرَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ إطْلَاقَهُ عَلَى الطُّهْرِ
وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: إنَّ لَفْظَ الْقُرْءِ لَمْ يُسْتَعْمَلْ فِي كَلَامِ الشَّارِعِ إلَّا لِلْحَيْضِ، وَلَمْ يَجِئْ عَنْهُ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ اسْتِعْمَالُهُ لِلطُّهْرِ، فَحَمْلُهُ فِي الْآيَةِ عَلَى الْمَعْهُودِ الْمَعْرُوفِ مِنْ خِطَابِ الشَّارِعِ أَوْلَى، بَلْ يَتَعَيَّنُ، فَإِنَّهُ قَدْ قَالَ لِلْمُسْتَحَاضَةِ: " دَعِي الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِكِ " وَهُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُعَبِّرُ عَنْ اللَّهِ وَبِلُغَةِ قَوْمِهِ نَزَلَ الْقُرْآنُ، فَإِذَا أَوْرَدَ الْمُشْتَرَكَ فِي كَلَامِهِ عَلَى أَحَدِ مَعْنَيَيْهِ وَجَبَ حَمْلُهُ فِي سَائِرِ كَلَامِهِ عَلَيْهِ، إذَا لَمْ يَثْبُتْ إرَادَةُ الْآخَرِ فِي شَيْءٍ مِنْ كَلَامِهِ أَلْبَتَّةَ، وَيَصِيرُ هُوَ لُغَةَ الْقُرْآنِ الَّتِي خُوطِبْنَا بِهَا وَإِنْ كَانَ لَهُ مَعْنًى آخَرُ فِي كَلَامِ غَيْرِهِ، وَإِذَا ثَبَتَ اسْتِعْمَالُ الشَّارِعِ لِلْقُرْءِ فِي الْحَيْضِ عُلِمَ أَنَّ هَذَا لُغَتُهُ، فَيَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَيْهَا فِي كَلَامِهِ. وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا فِي سِيَاقِ الْآيَةِ مِنْ قَوْله تَعَالَى: {وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ} [البقرة: ٢٢٨] وَهَذَا هُوَ الْحَيْضُ وَالْحَمْلُ عِنْدَ عَامَّةِ الْمُفَسِّرِينَ، وَالْمَخْلُوقُ فِي الرَّحِمِ إنَّمَا هُوَ الْحَيْضُ الْوُجُودِيُّ، وَبِهَذَا قَالَ السَّلَفُ وَالْخَلَفُ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّهُ الطُّهْرُ، وَأَيْضًا فَقَدْ قَالَ سُبْحَانَهُ: {وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: ٤] فَجَعَلَ كُلَّ شَهْرٍ بِإِزَاءِ حَيْضَةٍ، وَعَلَّقَ الْحُكْمَ بِعَدَمِ الْحَيْضِ لَا بِعَدَمِ الطُّهْرِ وَالْحَيْضِ، وَقَدْ أَطَالَ الْكَلَامَ ابْنُ الْقَيِّمِ وَأَطَابَ، فَلْيُرَاجَعْ وَحَكَى فِي الْبَحْرِ عَنْ الْعِتْرَةِ أَنَّ الْقَرْءَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَضَمِّهَا حَقِيقَةٌ فِي الْحَيْضِ مَجَازٌ فِي الطُّهْرِ
وَعَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ عَكْسُ ذَلِكَ. وَعَنْ الْأَكْثَرِ أَنَّهُ مُشْتَرَكٌ، وَعَنْ الْأَخْفَشِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ اسْمٌ لِانْقِضَاءِ الْحَيْضِ، ثُمَّ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْآيَةِ أَحَدُهُمَا لَا مَجْمُوعُهُمَا. قَالَ: فَعَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي مُوسَى وَالْعِتْرَةِ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ: الْمُرَادُ بِهِ فِي الْآيَةِ: الْحَيْضُ. وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَعَائِشَةَ وَالصَّادِقِ وَالْبَاقِرِ وَالْإِمَامِيَّةِ وَالزُّهْرِيِّ وَرَبِيعَةَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَفُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ، وَرِوَايَةٍ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ الْأَطْهَارُ. ثُمَّ رَجَّحَ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ وَاسْتَدَلَّ لَهُ، وَقَدْ أَخَذَ بِظَاهِرِ حَدِيثِ عَائِشَةَ وَابْنِ عُمَرَ الْمَذْكُورَيْنِ فِي الْبَابِ الشَّافِعِيُّ فَقَالَ: لَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ مِنْ الطَّلَاقِ إلَّا اثْنَتَيْنِ، حُرَّةً كَانَتْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute