بَابُ أَيْنَ تَعْتَدُّ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا؟
٢٩٤٤ - (عَنْ فُرَيْعَةَ بِنْتِ مَالِكٍ قَالَتْ: «خَرَجَ زَوْجِي فِي طَلَبِ أَعْلَاجٍ لَهُ فَأَدْرَكَهُمْ
ــ
[نيل الأوطار]
تُبْدَلُ الْكَافُ مِنْ الْقَافِ، وَقَدْ اُسْتُدِلَّ بِهَذَا أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ اسْتِعْمَالُ مَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ لَهَا مِنْ جِنْسِ مَا مُنِعَتْ مِنْهُ. قَوْلُهُ: (وَلَا الْمُمَشَّقَةَ) أَيْ الْمَصْبُوغَةَ بِالْمِشْقِ وَهُوَ الْمَغْرَةُ
قَوْلُهُ: (يَشُبُّ الْوَجْهَ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَضَمِّ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ: أَيْ يُجَمِّلُهُ. وَظَاهِرُ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ هَذَا أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ الْمُعْتَدَّةِ عَنْ مَوْتٍ أَنْ تَجْعَلَ عَلَى وَجْهِهَا الصَّبْرَ بِاللَّيْلِ وَتَنْزِعَهُ بِالنَّهَارِ لِأَنَّهُ يُحَسِّنُ الْوَجْهَ فَلَا يَجُوزُ فِعْلُهُ فِي الْوَقْتِ الَّذِي تَظْهَرُ فِيهِ الزِّينَةُ وَهُوَ النَّهَارُ، وَيَجُوزُ فِعْلُهُ بِاللَّيْلِ لِأَنَّهَا لَا تَظْهَرُ فِيهِ. قَوْلُهُ: (وَلَا تَمْتَشِطِي بِالطِّيبِ وَلَا بِالْحِنَّاءِ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَمْتَشِطَ بِشَيْءٍ مِنْ الطِّيبِ أَوْ بِمَا فِيهِ زِينَةٌ كَالْحِنَّاءِ، وَلَكِنَّهَا تَمْتَشِطُ بِالسِّدْرِ قَوْلُهُ: (تُغَلِّفِينَ بِهِ رَأْسَك) الْغِلَافُ فِي الْأَصْلِ الْغِشَاوَةُ، وَتَغْلِيفُ الرَّأْسِ أَنْ تَجْعَلَ عَلَيْهِ مِنْ الطِّيبِ أَوْ السِّدْرِ مَا يُشْبِهُ الْغِلَافَ. قَالَ فِي الْقَامُوسِ: تَغَلَّفَ الرَّجُلُ وَاغْتَلَفَ حَصَلَ لَهُ غِلَافٌ. قَوْلُهُ: (تَجُدُّ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَضَمِّ الْجِيمِ بَعْدَهَا دَالٌ مُهْمَلَةٌ: أَيْ تَقْطَعُ نَخْلًا لَهَا، وَظَاهِرُ إذْنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهَا بِالْخُرُوجِ لِجَدِّ النَّخْلِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لَهَا الْخُرُوجُ لِتِلْكَ الْحَاجَةِ وَلِمَا يُشَابِهُهَا بِالْقِيَاسِ. وَقَدْ بَوَّبَ النَّوَوِيُّ لِهَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ: بَابُ جَوَازِ خُرُوجِ الْمُعْتَدَّةِ الْبَائِنِ مِنْ مَنْزِلِهَا فِي النَّهَارِ لِلْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ وَلَا يَجُوزُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ
وَقَدْ ذَهَبَ إلَى ذَلِكَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالْقَاسِمُ وَالْمَنْصُورُ بِاَللَّهِ، وَيَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِ الْغَرَضِ الدِّينِيِّ أَوْ الدُّنْيَوِيِّ تَعْلِيلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالصَّدَقَةِ أَوْ فِعْلِ الْخَيْرِ. وَلَا مُعَارَضَةَ بَيْنَ هَذَا الْحَدِيثِ وَبَيْنَ قَوْله تَعَالَى: {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ} [الطلاق: ١] الْآيَةَ. بَلْ الْحَدِيثُ مُخَصِّصٌ لِذَلِكَ الْعُمُومِ بِالْمَشْعُورِ بِهِ مِنْ النَّهْيِ فَلَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ إلَّا لِلْحَاجَةِ لِغَرَضٍ مِنْ الْأَغْرَاضِ. وَذَهَبَ الثَّوْرِيُّ وَاللَّيْثُ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمْ إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لَهَا الْخُرُوجُ فِي النَّهَارِ مُطْلَقًا، وَتَمَسَّكُوا بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ، وَلَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِ الْحَاجَةِ، وَغَايَتُهُ اعْتِبَارُ أَنْ يَكُونَ الْخُرُوجُ لِقُرْبَةٍ مِنْ الْقُرَبِ كَمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ آخِرُ الْحَدِيثِ، وَمِمَّا يُؤَيِّدُ مُطْلَقَ الْجَوَازِ فِي النَّهَارِ الْقِيَاسُ عَلَى الْمُتَوَفَّى عَنْهَا كَمَا سَيَأْتِي. قَوْلُهُ (تَسَلَّبِي) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَبَعْدَهُ سِينٌ مُهْمَلَةٌ مَفْتُوحَةٌ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ أَيْ الْبَسِي السَّلَّابَ: وَهُوَ ثَوْبُ الْإِحْدَادِ. وَقِيلَ: هُوَ ثَوْبٌ أَسْوَدُ تُغَطِّي بِهِ رَأْسَهَا، وَقَدْ قَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَى حَدِيثِ أَسْمَاءَ هَذَا وَكَيْفِيَّةِ الْجَمْعِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَحَادِيثِ الْقَاضِيَةِ بِوُجُوبِ الْإِحْدَادِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute