للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[نيل الأوطار]

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ} [الطلاق: ١] فَإِنَّ آخِرَ الْآيَةِ وَهُوَ النَّهْيُ عَنْ إخْرَاجِهِنَّ يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ النَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْله تَعَالَى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطلاق: ٦] الْآيَةَ

وَذَهَبَ الْهَادِي وَالْمُؤَيَّدُ بِاَللَّهِ وَحَكَاهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ إلَى أَنَّهَا تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ دُونَ السُّكْنَى. وَاسْتَدَلُّوا عَلَى وُجُوبِ النَّفَقَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: ٢٤١] الْآيَةَ، وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تُضَارُّوهُنَّ} [الطلاق: ٦] وَبِأَنَّ الزَّوْجَةَ الْمُطَلَّقَةَ بَائِنًا مَحْبُوسَةٌ بِسَبَبِ الزَّوْجِ. وَاسْتَدَلُّوا عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ السُّكْنَى بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ} [الطلاق: ٦] فَإِنَّهُ أَوْجَبَ أَنْ تَكُونَ حَيْثُ الزَّوْجُ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ فِي الْبَائِنَةِ. وَأَرْجَحُ هَذِهِ الْأَقْوَالِ الْأَوَّلُ لِمَا فِي الْبَابِ مِنْ النَّصِّ الصَّحِيحِ الصَّرِيحِ، وَأَمَّا مَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْقُرْآنِ فَوَهْمٌ، فَإِنَّ الَّذِي فَهِمَهُ السَّلَفُ مِنْ قَوْله تَعَالَى: {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ} [الطلاق: ١] هُوَ مَا فَهِمَتْهُ فَاطِمَةُ مِنْ كَوْنِهِ فِي الرَّجْعِيَّةِ لِقَوْلِهِ فِي آخِرِ الْآيَةِ: {لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} [الطلاق: ١] لِأَنَّ الْأَمْرَ الَّذِي يُرْجَى إحْدَاثُهُ هُوَ الرَّجْعَةُ لَا سِوَاهُ، وَهُوَ الَّذِي حَكَاهُ الطَّبَرِيُّ عَنْ قَتَادَةَ وَالْحَسَنِ وَالسُّدِّيِّ وَالضَّحَّاكِ، وَلَمْ يَحْكِ عَنْ أَحَدٍ غَيْرِهِمْ خِلَافًا. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَحَكَى غَيْرُهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَمْرِ مَا يَأْتِي مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ نَسْخٍ أَوْ تَخْصِيصٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَلَمْ يَنْحَصِرْ، انْتَهَى

وَلَوْ سَلِمَ الْعُمُومُ فِي الْآيَةِ لَكَانَ حَدِيثُ فَاطِمَةَ الْمَذْكُورُ مُخَصِّصًا لَهُ، وَبِذَلِكَ يَظْهَرُ أَنَّ الْعَمَلَ بِهِ لَيْسَ بِتَرْكٍ لِلْكِتَابِ الْعَزِيزِ، كَمَا قَالَ عُمَرُ فِيمَا أَخْرَجَهُ عِنْدَ مُسْلِمٍ لَمَّا أُخْبِرَ بِقَوْلِ فَاطِمَةَ الْمَذْكُورِ: «لَا نَتْرُكُ كِتَابَ رَبِّنَا وَسُنَّةَ نَبِيِّنَا لِقَوْلِ امْرَأَةٍ لَا نَدْرِي لَعَلَّهَا حَفِظَتْ أَمْ نَسِيَتْ» فَإِنْ قُلْت: إنَّ قَوْلَهُ: " وَسُنَّةَ نَبِيِّنَا " يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَدْ حَفِظَ فِي ذَلِكَ شَيْئًا مِنْ السُّنَّةِ يُخَالِفُ قَوْلَ فَاطِمَةَ، لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ: مِنْ السُّنَّةِ كَذَا، لَهُ حُكْمُ الرَّفْعِ. قُلْت: صَرَّحَ الْأَئِمَّةُ بِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ شَيْءٌ مِنْ السُّنَّةِ يُخَالِفُ قَوْلَ فَاطِمَةَ، وَمَا وَقَعَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «لَهَا السُّكْنَى وَالنَّفَقَةُ» فَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: لَا يَصِحُّ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: السُّنَّةُ بِيَدِ فَاطِمَةَ قَطْعًا. وَأَيْضًا تِلْكَ الرِّوَايَةُ عَنْ عُمَرَ مِنْ طَرِيقِ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ، وَمَوْلِدُهُ بَعْدَ مَوْتِ عُمَرَ بِسَنَتَيْنِ

قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ الْقَيِّمِ: وَنَحْنُ نَشْهَدُ بِاَللَّهِ شَهَادَةً نُسْأَلُ عَنْهَا إذَا لَقَيْنَاهُ أَنَّ هَذَا كَذِبٌ عَلَى عُمَرَ وَكَذِبٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْمِلَ الْإِنْسَانَ فَرْطُ الِانْتِصَارِ لِلْمَذَاهِبِ وَالتَّعَصُّبِ عَلَى مُعَارَضَةِ السُّنَنِ النَّبَوِيَّةِ الصَّرِيحَةِ الصَّحِيحَةِ بِالْكَذِبِ الْبَحْتِ، فَلَوْ يَكُونُ هَذَا عِنْدَ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَخَرِسَتْ فَاطِمَةُ وَذَوُوهَا وَلَمْ يَنْبِزُوا بِكَلِمَةٍ وَلَا دَعَتْ فَاطِمَةُ إلَى الْمُنَاظَرَةِ، انْتَهَى. فَإِنْ قُلْت: إنَّ ذَلِكَ الْقَوْلَ مِنْ عُمَرَ يَتَضَمَّنُ الطَّعْنَ عَلَى رِوَايَةِ فَاطِمَةَ لِقَوْلِهِ: " لِقَوْلِ امْرَأَةٍ لَا نَدْرِي لَعَلَّهَا حَفِظَتْ أَوْ نَسِيَتْ ". قُلْت: هَذَا مَطْعَنٌ بَاطِلٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ لِلْقَطْعِ بِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>