للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[نيل الأوطار]

النَّسَبِ، وَذَلِكَ بِالنَّظَرِ إلَى أَقَارِبِ الْمُرْضِعِ لِأَنَّهُمْ أَقَارِبُ لِلرَّضِيعِ وَأَمَّا أَقَارِبُ الرَّضِيعِ فَلَا قَرَابَةَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُرْضِعِ وَالْمُحَرَّمَاتُ مِنْ الرَّضَاعِ سَبْعٌ: الْأُمُّ وَالْأُخْتُ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، وَالْبِنْتُ وَالْعَمَّةُ وَالْخَالَةُ وَبِنْتُ الْأَخِ وَبِنْتُ الْأُخْتِ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ الْخَمْسَ يُحَرَّمْنَ مِنْ النَّسَبِ وَقَدْ وَقَعَ الْخِلَافُ: هَلْ يَحْرُمُ بِالرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ الصِّهَارِ؟ وَابْنُ الْقَيِّمِ قَدْ حَقَّقَ ذَلِكَ فِي الْهَدْيِ بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ فَلْيُرْجَعْ إلَيْهِ وَقَدْ ذَهَبَ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ إلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ نَظِيرُ الْمُصَاهَرَةِ بِالرَّضَاعِ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ أُمُّ امْرَأَتِهِ مِنْ الرَّضَاعَةِ وَامْرَأَةُ أَبِيهِ مِنْ الرَّضَاعَةِ

وَيَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ مِنْ الرَّضَاعَةِ وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَبِنْتِهَا وَبَيْنَ خَالَتِهَا مِنْ الرَّضَاعَةِ، وَقَدْ نَازَعَهُمْ فِي ذَلِكَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ كَمَا حَكَاهُ صَاحِبُ الْهَدْيِ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ فِي دُخُولِ أَفْلَحَ عَلَيْهَا فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى ثُبُوتِ حُكْمِ الرَّضَاعِ فِي حَقِّ زَوْجِ الْمُرْضِعَةِ وَأَقَارِبِهِ كَالْمُرْضِعَةِ

وَقَدْ ذَهَبَ إلَى هَذَا جُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَسَائِرِ الْعُلَمَاءِ، وَقَدْ وَقَعَ التَّصْرِيحُ بِالْمَطْلُوبِ فِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد بِلَفْظِ: «قَالَتْ عَائِشَةُ: دَخَلَ عَلَيَّ أَفْلَحُ فَاسْتَتَرْت مِنْهُ، فَقَالَ: أَتَسْتَتِرِينَ مِنِّي وَأَنَا عَمُّك؟ قُلْت: مِنْ أَيْنَ؟ قَالَتْ: أَرْضَعَتْك امْرَأَةُ أَخِي قُلْت: إنَّمَا أَرْضَعَتْنِي الْمَرْأَةُ وَلَمْ يُرْضِعْنِي الرَّجُلُ، فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَحَدَّثْتُهُ، فَقَالَ: إنَّهُ عَمُّك فَلْيَلِجْ عَلَيْك» وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ الزُّبَيْرِ وَرَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ وَزَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَسَالِمٍ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ وَعَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ وَالشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَأَبِي قِلَابَةَ وَإِيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْقَاضِي أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ حُكْمُ الرَّضَاعِ لِلزَّوْجِ، حَكَى ذَلِكَ عَنْهُمْ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَرُوِيَ أَيْضًا هَذَا الْقَوْلُ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ وَابْنِ عُلَيَّةَ وَالظَّاهِرِيَّةِ وَابْنِ بِنْتِ الشَّافِعِيِّ، وَقَدْ رُوِيَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَوْلُ جُمْهُورِ الصَّحَابَةِ

فَأَخْرَجَ الشَّافِعِيُّ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّهَا قَالَتْ " كَانَ الزُّبَيْرُ يَدْخُلُ عَلَيَّ وَأَنَا أَمْتَشِطُ أَرَى أَنَّهُ أَبِي وَأَنَّ وَلَدَهُ إخْوَتِي لِأَنَّ امْرَأَتَهُ أَسْمَاءَ أَرْضَعَتْنِي، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ الْحَرَّةِ أَرْسَلَ إلَيَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ يَخْطُبُ ابْنَتِي أُمَّ كُلْثُومٍ عَلَى أَخِيهِ حَمْزَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَكَانَ لِلْكَلْبِيَّةِ، فَقُلْت: وَهَلْ تَحِلُّ لَهُ؟ فَقَالَ: إنَّهُ لَيْسَ لَك بِأَخٍ إنَّمَا إخْوَتُك مَنْ وَلَدَتْ أَسْمَاءُ دُونَ مَنْ وَلَدَ الزُّبَيْرُ مِنْ غَيْرِهَا، قَالَتْ: فَأَرْسَلْت فَسَأَلْت وَالصَّحَابَةُ مُتَوَافِرُونَ وَأُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالُوا: إنَّ الرَّضَاعَ لَا يُحَرِّمُ شَيْئًا مِنْ قِبَلِ الرَّجُلِ فَأَنْكَحْتُهَا إيَّاهُ " وَأُجِيبَ بِأَنَّ الِاجْتِهَادَ مِنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَا يُعَارِضُ النَّصَّ وَلَا يَصِحُّ دَعْوَى الْإِجْمَاعِ لِسُكُوتِ الْبَاقِينَ لِأَنَّا نَقُولُ: نَحْنُ نَمْنَعُ أَوَّلًا أَنَّ هَذِهِ الْوَاقِعَةَ بَلَغَتْ كُلَّ الْمُجْتَهِدِينَ مِنْهُمْ وَثَانِيًا: أَنَّ السُّكُوتَ فِي الْمَسَائِلِ الِاجْتِهَادِيَّةِ لَا يَكُونُ دَلِيلًا عَلَى الرِّضَا

وَأَمَّا عَمَلُ عَائِشَةَ بِخِلَافِ مَا رَوَتْ فَالْحُجَّةُ رِوَايَتُهَا لَا رَأْيُهَا، وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ مُخَالِفَةَ الصَّحَابِيِّ لِمَا رَوَاهُ لَا تَقْدَحُ فِي الرِّوَايَةِ، وَقَدْ صَحَّ عَنْ عَلِيٍّ الْقَوْلُ بِثُبُوتِ حُكْمِ الرَّضَاعِ

<<  <  ج: ص:  >  >>