. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نيل الأوطار]
الْأَوَّلُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْإِنْفَاقَ عَلَى أَهْلِ الرَّجُلِ أَفْضَلُ مِنْ الْإِنْفَاقِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمِنْ الْإِنْفَاقِ فِي الرِّقَابِ وَمِنْ التَّصَدُّقِ عَلَى الْمَسَاكِينِ
وَحَدِيثُ جَابِرٍ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يُؤْثِرَ زَوْجَتَهُ وَسَائِرَ قَرَابَتِهِ بِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي نَفَقَةِ نَفْسِهِ ثُمَّ إذَا فَضَلَ عَنْ حَاجَةِ نَفْسِهِ شَيْءٌ فَعَلَيْهِ إنْفَاقُهُ عَلَى زَوْجَتِهِ وَقَدْ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى وُجُوبِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ، ثُمَّ إذَا فَضَلَ عَنْ ذَلِكَ شَيْءٌ فَعَلَى ذَوِي قَرَابَتِهِ، ثُمَّ إذَا فَضَلَ عَنْ ذَلِكَ شَيْءٌ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ التَّصَدُّقُ بِالْفَاضِلِ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: " هَكَذَا وَهَكَذَا " أَيْ يَمِينًا وَشِمَالًا كِنَايَةٌ عَنْ التَّصَدُّقِ وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ وَقَعَ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْوَلَدِ الْمُوسِرِ مَئُونَة الْأَبَوَيْنِ الْمُعْسِرَيْنِ كَمَا حَكَى ذَلِكَ فِي الْبَحْرِ، وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء: ٢٣] ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ كَانَا كَافِرَيْنِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ} [لقمان: ١٥] ، وَ «أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ» ثُمَّ حَكَى بَعْدَ حِكَايَةِ الْإِجْمَاعِ الْمُتَقَدِّمِ عَنْ الْعِتْرَةِ وَالْفَرِيقَيْنِ أَنَّ الْأُمَّ الْمُعْسِرَةَ كَالْأَبِ فِي وُجُوبِ نَفَقَتِهَا
وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أُمَّك ثُمَّ أُمَّك» الْخَبَرَ وَحَكَى عَنْ مَالِكٍ الْخِلَافَ فِي الْجَدِّ لِعَدَمِ الدَّلِيلِ وَأَجَابَ عَلَيْهِ بِأَنَّ هَذَا الْخَبَرَ دَلِيلٌ، وَعَلَى فَرْضِ عَدَمِ الدَّلِيلِ فَبِالْقِيَاسِ عَلَى الْأَبِ، ثُمَّ قَالَ: وَكَذَا الْخِلَافُ فِي الْجَدِّ أَبِي الْأَبِ ثُمَّ حَكَى عَنْ عُمَرَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ وَالْعِتْرَةِ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَأَبِي ثَوْرٍ أَنَّهَا تَجِبُ النَّفَقَةُ لِكُلِّ مُعْسِرٍ عَلَى كُلِّ مُوسِرٍ إذَا كَانَتْ مِلَّتُهُمَا وَاحِدَةً وَكَانَا يَتَوَارَثَانِ وَاسْتَدَلَّ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: ٢٣٣] وَاللَّامُ لِلْجِنْسِ وَحَكَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ أَنَّهَا إنَّمَا تَلْزَمُ لِلرَّحِمِ الْمَحْرَمِ فَقَطْ، وَعَنْ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ لَا تَجِبُ إلَّا لِلْأُصُولِ وَالْفُصُولِ فَقَطْ
وَعَنْ مَالِكٍ: لَا تَجِبُ إلَّا لِلْوَلَدِ وَالْوَالِدِ فَقَطْ. وَقَدْ أُجِيبَ عَنْ الِاسْتِدْلَالِ بِالْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ بِمَنْعِ دَلَالَتِهَا عَلَى الْمَطْلُوبِ وَدَعْوَى أَنَّ الْإِشَارَةَ بِقَوْلِهِ ذَلِكَ إلَى عَدَمِ الْمُضَارَّةِ، وَعَلَى التَّسْلِيمِ فَالْمُرَادُ وَارِثُ الْأَبِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: لَفْظُ الْوَارِثِ فِيهِ احْتِمَالَاتٌ: أَحَدُهَا: أَنْ يُرَادَ الْمَوْلُودُ لَهُ الْمَذْكُورُ فِي صَدْرِ الْآيَةِ وَهُوَ الْمَوْلُودُ، وَقَدْ قَالَ بِهَذَا قَبِيصَةُ بْنُ ذُؤَيْبٍ الثَّانِي: أَنْ يُرَادَ وَارِثُ الْمَوْلُودِ، وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ مِنْ السَّلَفِ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ
الثَّالِثُ: أَنْ يُرَادَ بِهِ الْبَاقِي مِنْ الْأَبَوَيْنِ بَعْدَ الْآخَرِ، وَبِهِ قَالَ سُفْيَانُ وَغَيْرُهُ، فَحِينَئِذٍ لَفْظُ الْوَارِثِ مُجْمَلٌ لَا يَحِلُّ حَمْلُهُ عَلَى أَحَدِ هَذِهِ الْمَعَانِي إلَّا بِدَلِيلٍ، مَعَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الِاسْتِدْلَال بِالْآيَةِ عَلَى وُجُوبِ نَفَقَةِ كُلِّ مُعْسِرٍ عَلَى مَنْ يَرِثُهُ مِنْ قَرَابَتِهِ الْمُوسِرِينَ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْآيَةِ فِي رِزْقِ الزَّوْجَاتِ وَكِسْوَتِهِنَّ؛ وَلَكِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْمَطْلُوبِ عُمُومُ " فَلِذِي قَرَابَتِك ". قَوْلُهُ: (تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى وَلَدِك) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَلْزَمُ الْأَبَ نَفَقَةُ وَلَدِهِ الْمُعْسِرِ فَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ صَغِيرًا فَذَلِكَ إجْمَاعٌ كَمَا حَكَاهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ، وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا فَقِيلَ: نَفَقَتُهُ عَلَى الْأَبِ وَحْدَهُ دُونَ الْأُمِّ، وَقِيلَ: عَلَيْهِمَا حَسَبُ الْإِرْثِ وَيَأْتِي بَقِيَّةُ الْكَلَامِ عَلَى نَفَقَةِ الْأَقَارِبِ فِي بَابِ النَّفَقَةِ عَلَى الْأَقَارِبِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute