. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نيل الأوطار]
فَمَنْ اخْتَارَهُ ذَهَبَ بِهِ وَقَدْ أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ خَيَّرَ غُلَامًا بَيْنَ أَبِيهِ وَأُمِّهِ وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ خَيَّرَ عُمَارَةَ الْجُذَامِيَّ بَيْنَ أُمِّهِ وَعَمَّتِهِ، وَكَانَ ابْنَ سَبْعٍ أَوْ ثَمَانِ سِنِينَ، وَقَدْ ذَهَبَ إلَى هَذَا الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَقَالَ: أُحِبُّ أَنْ يَكُونَ مَعَ الْأُمِّ إلَى سَبْعِ سِنِينَ ثُمَّ يُخَيَّرُ
وَقِيلَ: إلَى خَمْسٍ، وَذَهَبَ أَحْمَدُ إلَى أَنَّ الصَّغِيرَ إلَى دُونِ سَبْعِ سِنِينَ أُمُّهُ أَوْلَى بِهِ وَإِنْ بَلَغَ سَبْعَ سِنِينَ فَالذَّكَرُ فِيهِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ: يُخَيَّرُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ أَصْحَابِهِ، وَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا وَالثَّانِيَةُ: أَنَّ الْأَبَ أَحَقُّ بِهِ وَالثَّالِثَةُ: أَنَّ الْأَبَ أَحَقُّ بِالذَّكَرِ وَالْأُمَّ بِالْأُنْثَى إلَى تِسْعٍ ثُمَّ يَكُونُ الْأَبُ أَحَقَّ بِهَا وَالظَّاهِرُ مِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ أَنَّ التَّخْيِيرَ فِي حَقِّ مَنْ بَلَغَ مِنْ الْأَوْلَادِ إلَى سِنِّ التَّمْيِيزِ هُوَ الْوَاجِبُ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَحَكَى فِي الْبَحْرِ عَنْ مَذْهَبِ الْهَادَوِيَّةِ وَأَبِي طَالِبٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وَمَالِكٍ أَنَّهُ لَا تَخْيِيرَ، بَلْ مَتَى اسْتَغْنَى بِنَفْسِهِ فَالْأَبُ أَوْلَى بِالذَّكَرِ وَالْأُمُّ بِالْأُنْثَى
وَعَنْ مَالِكٍ الْأُنْثَى لِلْأُمِّ حَتَّى تُزَوَّجَ وَتَدْخُلَ وَالْأَبُ لَهُ الذَّكَرُ حَتَّى يَسْتَغْنِيَ وَحَدُّ الِاسْتِغْنَاءِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وَأَبِي الْعَبَّاسِ وَأَبِي طَالِبٍ أَنْ يَأْكُلَ وَيَشْرَبَ وَيَلْبَسَ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَالْمُؤَيَّدِ بِاَللَّهِ وَالْإِمَامِ يَحْيَى: هُوَ بُلُوغُ السَّبْعِ وَتَمَسَّكَ النَّافُونَ لِلتَّخْيِيرِ بِحَدِيثِ «أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَنْكِحِي» وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ الْجَمْعَ مُمْكِنٌ، وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: الْمُرَادُ بِكَوْنِهَا أَحَقَّ بِهِ فِيمَا قَبْلَ السِّنِّ الَّتِي يُخَيَّرُ فِيهَا إلَّا فِيمَا بَعْدَهَا بِقَرِينَةِ أَحَادِيثِ الْبَابِ قَوْلُهُ: (اسْتَهِمَا عَلَيْهِ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْقُرْعَةَ طَرِيقٌ شَرْعِيَّةٌ عِنْدَ تَسَاوِي الْأَمْرَيْنِ وَأَنَّهُ يَجُوزُ الرُّجُوعُ إلَيْهَا كَمَا يَجُوزُ الرُّجُوعُ إلَى التَّخْيِيرِ
وَقَدْ قِيلَ: إنَّهُ يُقَدَّمُ التَّخْيِيرُ عَلَيْهَا وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ بَلْ رُبَّمَا دَلَّ عَلَى عَكْسِهِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَهُمَا أَوَّلًا بِالِاسْتِهَامِ، ثُمَّ لَمَّا لَمْ يَفْعَلَا خَيَّرَ الْوَلَدَ وَقَدْ قِيلَ: إنَّ التَّخْيِيرَ أَوْلَى لِاتِّفَاقِ أَلْفَاظِ الْأَحَادِيثِ عَلَيْهِ وَعَمَلِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ بِهِ قَوْلُهُ: (مَنْ يُحَاقُّنِي) الْحِقَاقُ وَالِاحْتِقَاقُ: الْخِصَامُ وَالِاخْتِصَامُ كَمَا فِي الْقَامُوسِ: أَيْ مَنْ يُخَاصِمُنِي فِي وَلَدِي قَوْلُهُ: (فَمَالَتْ إلَى أُمِّهَا فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اللَّهُمَّ اهْدِهَا) اُسْتُدِلَّ بِذَلِكَ عَلَى جَوَازِ نَقْلِ الصَّبِيِّ إلَى مَنْ اخْتَارَ ثَانِيًا، وَقَدْ نَسَبَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ إلَى الْقَائِلِينَ بِالتَّخْيِيرِ
وَاسْتُدِلَّ بِحَدِيثِ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْمَذْكُورِ عَلَى ثُبُوتِ الْحَضَانَةِ لِلْأُمِّ الْكَافِرَةِ لِأَنَّ التَّخْيِيرَ دَلِيلٌ ثُبُوتِ الْحَقِّ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَأَبُو ثَوْرٍ وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى أَنَّهُ لَا حَضَانَةَ لِلْكَافِرَةِ عَلَى وَلَدِهَا الْمُسْلِمِ وَأَجَابُوا عَنْ الْحَدِيثِ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْمَقَالِ وَبِمَا فِيهِ مِنْ الِاضْطِرَابِ وَيُجَابُ بِأَنَّ الْحَدِيثَ صَالِحٌ لِلِاحْتِجَاجِ بِهِ وَالِاضْطِرَابُ مَمْنُوعٌ بِاعْتِبَارِ مَحَلِّ الْحُجَّةِ
وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِمِثْلِ قَوْله تَعَالَى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا} [النساء: ١٤١] وَبِنَحْوِ حَدِيثِ: «الْإِسْلَامُ يَعْلُو» فَغَيْرُ نَافِعٍ لِأَنَّهُ عَامٌّ وَحَدِيثُ الْبَابِ خَاصٌّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute