للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَابُ نَفَقَةِ الْبَهَائِمِ

٢٩٩٢ - (عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «عُذِّبَتْ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ سَجَنَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ لَا هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَسَقَتْهَا إذْ حَبَسَتْهَا وَلَا هِيَ تَرَكَتْهَا

ــ

[نيل الأوطار]

بَعْدَ الصَّلَاةِ ". وَأَحَادِيثُ الْبَابِ فِيهَا دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ نَفَقَةِ الْمَمْلُوكِ وَكِسْوَتِهِ وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَى ذَلِكَ كَمَا حَكَاهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَغَيْرُهُ، وَظَاهِرُ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ عَلَى السَّيِّدِ إطْعَامُهُ مِمَّا يَأْكُلُ، بَلْ الْوَاجِبُ الْكِفَايَةُ بِالْمَعْرُوفِ، وَظَاهِرُ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى السَّيِّدِ إطْعَامُهُ مِمَّا يَأْكُلُ وَكِسْوَتُهُ مِمَّا يَلْبَسُ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ وَالْقَرِينَةُ الصَّارِفَةُ إلَيْهِ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى السَّيِّدِ ذَلِكَ.

وَذَهَبَتْ الْعِتْرَةُ وَالشَّافِعِيُّ إلَى أَنَّ الْوَاجِبَ الْكِفَايَةُ بِالْمَعْرُوفِ كَمَا وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ: فَلَا يَجُوزُ التَّقْتِيرُ الْخَارِجُ عَنْ الْعَادَةِ، وَلَا يَجِبُ بَذْلُ فَوْقَ الْمُعْتَادِ قَدْرًا وَجِنْسًا وَصِفَةً. قَوْلُهُ: (وَلَا يُكَلَّفُ مِنْ الْعَمَلِ مَا لَا يُطِيقُ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ تَكْلِيفِ الْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ فَوْقَ مَا يُطِيقُونَهُ مِنْ الْأَعْمَالِ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (إذَا أَتَى أَحَدَكُمْ خَادِمُهُ) بِنَصْبِ أَحَدَكُمْ وَرَفْعِ خَادِمُهُ، وَالْخَادِمُ يُطْلَقُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ الْحُرِّ وَالْمَمْلُوكِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ لَمْ يُجْلِسْهُ) أَيْ لَمْ يُجْلِسْ الْمَخْدُومُ الْخَادِمَ. قَوْلُهُ: (لُقْمَةً أَوْ لُقْمَتَيْنِ) بِضَمِّ اللَّامِ وَهِيَ الْعَيْنُ الْمَأْكُولَةُ مِنْ الطَّعَامِ، وَرُوِيَ بِفَتْحِ اللَّامِ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ إذَا كَانَ الْمُرَادُ الْعَيْنَ وَهُوَ مَا يُلْتَقَمُ. وَالثَّانِي: إذَا كَانَ الْمُرَادُ الْفِعْلَ وَهَكَذَا. قَوْلُهُ: (أُكْلَةً أَوْ أُكْلَتَيْنِ) وَهُوَ شَكٌّ مِنْ الرَّاوِي.

وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ إطْعَامُ الْمَمْلُوكِ مِنْ جِنْسِ مَا يَأْكُلُهُ الْمَالِكُ، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُنَاوِلَهُ مِنْهُ مِلْءَ فَمِهِ لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ آخِرًا وَهِيَ تَوَلِّيهِ لِحَرِّهِ وَعِلَاجِهِ، وَيَدْفَعُ إلَيْهِ مَا يَكْفِيهِ مِنْ أَيِّ طَعَامٍ أَحَبَّ عَلَى حَسْبِ مَا تَقْتَضِيهِ الْعَادَةُ لِمَا سَلَفَ مِنْ الْإِجْمَاعِ. وَقَدْ نَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ فَقَالَ: الْوَاجِبُ عِنْدَ جَمِيعِ أَهْلِ الْعِلْمِ إطْعَامُ الْخَادِمِ مِنْ غَالِبِ الْقُوتِ الَّذِي يَأْكُلُ مِنْهُ مِثْلُهُ فِي تِلْكَ الْبَلَدِ، وَكَذَلِكَ الْإِدَامُ وَالْكِسْوَةُ، وَلِلسَّيِّدِ أَنْ يَسْتَأْثِرَ بِالنَّفِيسِ مِنْ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ الْأَفْضَلُ الْمُشَارَكَةَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْحَدِيثَ: هَذَا عِنْدَنَا عَلَى وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ إجْلَاسَهُ مَعَهُ أَفْضَلُ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَيْسَ بِوَاجِبٍ. الثَّانِي: أَنَّهُ يَكُونُ الْخِيَارُ إلَى السَّيِّدِ بَيْنَ أَنْ يُجْلِسَهُ أَوْ يُنَاوِلَهُ، وَيَكُونُ اخْتِيَارًا غَيْرَ حَتْمٍ. قَوْلُهُ: (كَانَتْ عَامَّةُ وَصِيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى وُقُوعِ وَصِيَّةٍ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقَدْ قَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْوَصَايَا. قَوْلُهُ: (يُغَرْغَرُ) بِغَيْنَيْنِ مُعْجَمَتَيْنِ وَرَاءَيْنِ مُهْمَلَتَيْنِ مَبْنِيٌّ لِلْمَجْهُولِ. قَوْلُهُ: (الصَّلَاةَ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) أَيْ حَافِظُوا عَلَى الصَّلَاةِ وَأَحْسِنُوا إلَى الْمَمْلُوكِينَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>