. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نيل الأوطار]
عَلِيٌّ اخْتِصَاصًا بِشَيْءٍ مِنْ الْوَحْيِ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ غَيْرُهُمْ، وَقَدْ سَأَلَ عَلِيًّا عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَيْسُ بْنُ عُبَادَةَ وَالْأَشْتَرُ النَّخَعِيّ. قَالَ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَسْئُولَ عَنْهُ هُنَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ مِنْ الْوَحْي الشَّامِلِ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى سَمَّاهَا وَحْيًا، إذْ فُسِّرَ قَوْله تَعَالَى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم: ٣] بِمَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْقُرْآنِ. وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ " وَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ " فَإِنَّ الْمَذْكُورَ فِيهَا لَيْسَ مِنْ الْقُرْآنِ بَلْ مِنْ أَحْكَامِ السُّنَّةِ.
وَقَدْ أَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالْبَيْهَقِيُّ أَنَّ عَلِيًّا كَانَ يَأْمُرُ بِالْأَمْرِ فَيُقَالُ: قَدْ فَعَلْنَاهُ، فَيَقُولُ: صَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ نَفْيُ مَا يُنْسَبُ إلَى عَلِيٍّ مِنْ عِلْمِ الْجَفْرِ وَنَحْوِهِ، أَوْ يُقَالُ هُوَ مُنْدَرِجٌ تَحْتَ قَوْلِهِ: " إلَّا فَهْمًا يُعْطِيهِ اللَّهُ تَعَالَى رَجُلًا فِي الْقُرْآنِ " فَإِنَّهُ يُنْسَبُ إلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِأَنْوَاعِ الْعُلُومِ أَنَّهُ يَسْتَنْبِطُ ذَلِكَ مِنْ الْقُرْآنِ. وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى اخْتِصَاصِ عَلِيٍّ بِشَيْءٍ مِنْ الْأَسْرَارِ دُونَ غَيْرِهِ، حَدِيثُ الْمُخْدَجِ الْمَقْتُولِ مِنْ الْخَوَارِجِ يَوْمَ النَّهْرَوَانُ كَمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَسُنَنِ أَبِي دَاوُد، فَإِنَّهُ قَالَ يَوْمَئِذٍ " الْتَمِسُوا فِيهِمْ الْمُخْدَجَ " يَعْنِي فِي الْقَتْلَى فَلَمْ يَجِدُوهُ، فَقَامَ الْإِمَامُ عَلِيٌّ بِنَفْسِهِ حَتَّى أَتَى أُنَاسًا قَدْ قُتِلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، فَقَالَ: أَخْرِجُوهُمْ، فَوَجَدُوهُ مِمَّا يَلِي الْأَرْضَ، فَكَبَّرَ وَقَالَ: صَدَقَ اللَّهُ وَبَلَّغَ رَسُولُهُ، فَقَامَ إلَيْهِ عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيُّ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ لَقَدْ سَمِعْت هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: " إي وَاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ، حَتَّى اسْتَحْلَفَهُ ثَلَاثًا وَهُوَ يَحْلِفُ " وَالْمُخْدَجُ الْمَذْكُورُ هُوَ ذُو الثُّدَيَّةُ، وَكَانَ فِي يَدِهِ مِثْلُ ثَدْيِ الْمَرْأَةِ عَلَى رَأْسِهِ حَلَمَةٌ مِثْلُ حَلَمَةِ الثَّدْيِ عَلَيْهِ شَعَرَاتٌ مِثْلُ سُبَالَةِ السِّنَّوْرِ.
قَوْلُهُ: (إلَّا فَهْمًا) هَكَذَا فِي رِوَايَةٍ بِالنَّصْبِ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ.
وَفِي رِوَايَةٍ بِالرَّفْعِ عَلَى الْبَدَلِ، وَالْفَهْمُ بِمَعْنَى الْمَفْهُومِ مِنْ لَفْظِ الْقُرْآنِ أَوْ مَعْنَاهُ قَوْلُهُ: (وَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ) أَيْ الْوَرَقَةُ الْمَكْتُوبَةُ، وَالْعَقْلُ: الدِّيَةُ، وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُعْطُونَ الْإِبِلَ وَيَرْبِطُونَهَا بِفِنَاءِ دَارِ الْمَقْتُولِ بِالْعِقَالِ وَهُوَ الْحَبْلُ.
وَفِي رِوَايَةٍ " الدِّيَاتُ " أَيْ تَفْصِيلُ أَحْكَامِهَا قَوْلُهُ: (وَفِكَاكُ الْأَسِيرِ) بِكَسْرِ الْفَاءِ وَفَتْحِهَا: أَيْ أَحْكَامُ تَخْلِيصِ الْأَسِيرِ مِنْ يَدِ الْعَدُوِّ وَالتَّرْغِيبِ فِيهِ قَوْلُهُ: (وَأَنْ لَا يُقْتَلَ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يُقَادُ بِالْكَافِرِ، أَمَّا الْكَافِرُ الْحَرْبِيُّ فَذَلِكَ إجْمَاعٌ كَمَا حَكَاهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ، وَأَمَّا الذِّمِّيُّ فَذَهَبَ إلَيْهِ الْجُمْهُورُ لِصِدْقِ اسْمِ الْكَافِرِ عَلَيْهِ. وَذَهَبَ الشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيِّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ إلَى أَنَّهُ يُقْتَلُ الْمُسْلِمُ بِالذِّمِّيِّ.
وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ وَعَمْرو بْنِ شُعَيْبٍ " وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ " وَوَجْهُهُ أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ " مُؤْمِنٌ " فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ: وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ بِكَافِرٍ كَمَا فِي الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ، وَالْمُرَادُ بِالْكَافِرِ الْمَذْكُورِ فِي الْمَعْطُوفِ هُوَ الْحَرْبِيُّ فَقَطْ بِدَلِيلِ جَعْلِهِ مُقَابِلًا لِلْمُعَاهَدِ، لِأَنَّ الْمُعَاهَدَ يُقْتَلُ بِمَنْ كَانَ مُعَاهَدًا مِثْلَهُ مِنْ الذِّمِّيِّينَ إجْمَاعًا فَيَلْزَمُ أَنْ يُقَيَّدَ الْكَافِرُ فِي الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ بِالْحَرْبِيِّ كَمَا قُيِّدَ فِي الْمَعْطُوفِ، لِأَنَّ الصِّفَةَ بَعْدَ مُتَعَدِّدٍ تَرْجِعُ إلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute