٣٠٠٥ - (وَعَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ قَتَلَ عَبْدَهُ قَتَلْنَاهُ وَمَنْ جَدَعَ عَبْدَهُ جَدَعْنَاهُ» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ: «وَمَنْ خَصَى عَبْدَهُ خَصَيْنَاهُ» قَالَ الْبُخَارِيُّ قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ: سَمَاعُ الْحَسَنِ مِنْ سَمُرَةَ صَحِيحٌ وَأَخَذَ بِحَدِيثِهِ: «مَنْ قَتَلَ عَبْدَهُ قَتَلْنَاهُ» . وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ السَّيِّدُ بِعَبْدِهِ وَتَأَوَّلُوا الْخَبَرَ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ مَنْ كَانَ عَبْدُهُ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ تَقَدُّمُ الْمِلْكِ مَانِعًا، وَقَدْ رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ
ــ
[نيل الأوطار]
يَرْجِعَ إلَى مَأْمَنِهِ.
وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ} [التوبة: ٦] . قَوْلُهُ: (لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ) بِفَتْحِ الْأَوَّلِ مِنْ يَرَحْ وَأَصْلُهُ رَاحَ الشَّيْءَ: أَيْ وَجَدَ رِيحَهُ، وَلَمْ يَرَحْهُ: أَيْ لَمْ يَجِدْ رِيحَهُ، وَرَائِحَةُ الْجَنَّةِ نَسِيمُهَا الطَّيِّبُ، وَهَذَا كِنَايَةٌ عَنْ عَدَمِ دُخُولِ مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا الْجَنَّةَ، لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَشُمَّ نَسِيمَهَا وَهُوَ يُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا لَمْ يَدْخُلْهَا. قَوْلُهُ: (فَقَدْ أَخْفَرَ ذِمَّةَ اللَّهِ) بِالْخَاءِ وَالْفَاءِ وَالرَّاءِ: أَيْ نَقَضَ عَهْدَهُ وَغَدَرَ. وَالْحَدِيثَانِ اشْتَمَلَا عَلَى تَشْدِيدِ الْوَعِيدِ عَلَى قَاتِلِ الْمُعَاهَدِ لِدَلَالَتِهِمَا عَلَى تَخْلِيدِهِ فِي النَّارِ وَعَدَمِ خُرُوجِهِ عَنْهَا وَتَحْرِيمِ الْجَنَّةِ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ قَدْ وَقَعَ الْخِلَافُ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي قَاتِلِ الْمُسْلِمِ هَلْ يَخْلُدُ فِيهَا أَمْ يَخْرُجُ عَنْهَا، فَمَنْ قَالَ: إنَّهُ يَخْلُدُ تَمَسَّكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} [النساء: ٩٣] الْآيَةُ، وَمَنْ قَالَ بِعَدَمِ تَخْلِيدِهِ عَلَى الدَّوَامِ قَالَ: الْخُلُودُ فِي اللُّغَةِ: اللُّبْثُ الطَّوِيلُ وَلَا يَدُلُّ عَلَى الدَّوَامِ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ.
وَأَمَّا قَاتِلُ الْمُعَاهَدِ فَالْحَدِيثَانِ مُصَرِّحَانِ بِأَنَّهُ لَا يَجِدُ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ وَذَلِكَ مُسْتَلْزِمٌ لِعَدَمِ دُخُولِهَا أَبَدًا، وَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ وَأَمْثَالُهُمَا يَنْبَغِي أَنْ يُخَصَّصَ بِهِمَا عُمُومُ الْأَحَادِيثِ الْقَاضِيَةِ بِخُرُوجِ الْمُوَحِّدِينَ مِنْ النَّارِ وَدُخُولِهِمْ الْجَنَّةِ بَعْدَ ذَلِكَ. وَقَالَ فِي الْفَتْحِ: إنَّ الْمُرَادَ بِهَذَا النَّفْيِ وَإِنْ كَانَ عَامًّا التَّخْصِيصَ بِزَمَانٍ مَا لِتَعَاضُدِ الْأَدِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ وَالنَّقْلِيَّةِ أَنَّ مَنْ مَاتَ مُسْلِمًا وَكَانَ مِنْ أَهْلِ الْكَبَائِرِ فَهُوَ مَحْكُومٌ بِإِسْلَامِهِ غَيْرُ مُخَلَّدٍ فِي النَّارِ وَمَآلُهُ إلَى الْجَنَّةِ وَلَوْ عُذِّبَ قَبْلَ ذَلِكَ انْتَهَى. وَقَدْ ثَبَتَ فِي التِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ: «سَبْعِينَ خَرِيفًا» وَمِثْله رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَفِي رِوَايَةٍ لِلطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ: «مِائَةِ عَامٍ» وَفِي أُخْرَى لَهُ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ بِلَفْظِ: «خَمْسمِائَةِ عَام» وَمِثْله فِي الْمُوَطَّإِ.
وَفِي رِوَايَةٍ فِي مُسْنَدِ الْفِرْدَوْسِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ بِلَفْظِ: «أَلْفِ عَامٍ» وَقَدْ جَمَعَ صَاحِبُ الْفَتْحِ بَيْنَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute