. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نيل الأوطار]
حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ مُسْتَصْرِخٌ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: حَادِثَةٌ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: وَيْحَكَ مَا لَك؟ فَقَالَ: شَرٌّ، أَبْصَرَ لِسَيِّدِهِ جَارِيَةً فَغَارَ فَجَبَّ مَذَاكِيرَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: عَلَيَّ بِالرَّجُلِ، فَطُلِبَ فَلَمْ يُقْدَرْ عَلَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اذْهَبْ فَأَنْتَ حُرٌّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلَى مَنْ نُصْرَتِي، قَالَ: عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ، أَوْ قَالَ: عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ» وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ: " أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ كَانَا لَا يَقْتُلَانِ الْحُرَّ بِالْعَبْدِ " وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ بُكَيْر أَنَّهُ قَالَ: «مَضَتْ السُّنَّةُ بِأَنْ لَا يُقْتَلَ الْحُرُّ الْمُسْلِمُ بِالْعَبْدِ وَإِنْ قَتَلَهُ عَمْدًا» وَكَذَلِكَ أَخْرَجَ عَنْ الْحَسَنِ وَعَطَاءَ وَالزُّهْرِيِّ مِنْ قَوْلِهِمْ.
١ -
وَقَدْ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي قَتْلِ الْحُرِّ بِالْعَبْدِ. وَحَكَى صَاحِبُ الْبَحْرِ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ السَّيِّدُ بِعَبْدِهِ إلَّا عَنْ النَّخَعِيّ.
وَهَكَذَا حَكَى الْخِلَافَ عَنْ النَّخَعِيّ وَبَعْضِ التَّابِعِينَ التِّرْمِذِيُّ، وَأَمَّا قَتْلُ الْحُرِّ بِعَبْدِ غَيْرِهِ فَحَكَاهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَحَكَاهُ صَاحِبُ الْكَشَّافِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَالشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَقَتَادَةَ وَالثَّوْرِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ. وَحَكَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَبَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ قِصَاصٌ لَا فِي النَّفْسِ وَلَا فِيمَا دُونَ النَّفْسِ.
قَالَ: وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ، وَحَكَاهُ صَاحِبُ الْكَشَّافِ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالْحَسَنِ وَعَطَاءٍ وَعِكْرِمَةَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ.
وَحَكَاهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ عَلِيٍّ وَعُمَرَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ وَالْعِتْرَةِ جَمِيعًا وَالشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ.
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ فِي الْمَسْأَلَةِ مَذْهَبًا ثَالِثًا فَقَالَ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إذَا قَتَلَ عَبْدَهُ لَا يُقْتَلُ بِهِ، وَإِذَا قَتَلَ عَبْدَ غَيْرِهِ قُتِلَ بِهِ، وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ انْتَهَى. وَقَدْ احْتَجَّ الْمُثْبِتُونَ لِلْقِصَاصِ بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ بِحَدِيثِ سَمُرَةَ الْمَذْكُورِ وَهُوَ نَصٌّ فِي قَتْلِ السَّيِّدِ بِعَبْدِهِ، وَيَدُلُّ بِفَحْوَى الْخِطَابِ عَلَى أَنَّ غَيْرَ السَّيِّدِ يُقْتَلُ بِالْعَبْدِ بِالْأَوْلَى. وَأَجَابَ عَنْهُ النَّافُونَ أَوَّلًا: بِالْمَقَالِ الَّذِي تَقَدَّمَ فِيهِ، وَثَانِيًا: بِالْأَحَادِيثِ الْقَاضِيَةِ بِأَنَّهُ لَا يُقْتَلُ حُرٌّ بِعَبْدٍ، فَإِنَّهَا قَدْ رُوِيَتْ مِنْ طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ يُقَوِّي بَعْضُهَا بَعْضًا فَتَصْلُحُ لِلِاحْتِجَاجِ.
وَثَالِثًا: بِأَنَّهُ خَارِجٌ مَخْرَجَ التَّحْذِيرِ. وَرَابِعًا: بِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ، وَيُؤَيِّدُ دَعْوَى النَّسْخِ فَتْوَى الْحَسَنِ بِخِلَافِهِ. وَخَامِسًا: بِأَنَّ النَّهْيَ أَرْجَحُ مِنْ غَيْرِهِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ. وَالْأَحَادِيثُ الْمَذْكُورَةُ فِي أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ حُرٌّ بِعَبْدٍ مُشْتَمِلَةٌ عَلَيْهِ.
وَسَادِسًا: بِأَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْ دَلِيلِ الْخِطَابِ فِي قَوْله تَعَالَى: {الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ} [البقرة: ١٧٨] أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ الْحُرُّ بِالْعَبْدِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذِهِ الْأَجْوِبَةَ يُمْكِنُ مُنَاقَشَةُ بَعْضِهَا، وَقَدْ عَكَسَ دَعْوَى النَّسْخِ الْمُثْبِتُونَ فَقَالُوا: إنَّ الْآيَةَ الْمَذْكُورَةَ مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: ٤٥] وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِالْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ فِي أَوَّلِ الْبَابِ عَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute