. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نيل الأوطار]
نَزَلَتْ لِذَلِكَ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَوْ اُعْتُبِرَ ذَلِكَ لَزِمَ أَنْ لَا تُقْتَلَ الْأُنْثَى بِالذَّكَرِ نَظَرًا إلَى مَفْهُومِ الْأُنْثَى، قَالَ: وَهَذَا يَرُدُّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا أَيْضًا وَيُدْفَعُ بِأَنَّهُ يُعْلَمُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى. وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِالْمَفْهُومِ فِي مُقَابَلَةِ الْمَنْطُوقِ الدَّالِّ عَلَى قَتْلِ النَّفْسِ بِالنَّفْسِ كَيْفَمَا كَانَتْ. لَا يُقَالُ: تِلْكَ حِكَايَةٌ عَمَّا فِي التَّوْرَاةِ لَا بَيَانٌ لِلْحُكْمِ فِي شَرِيعَتِنَا. لِأَنَّا نَقُولُ: شَرَائِعُ مَنْ قَبْلَنَا لَا سِيَّمَا إذَا ذُكِرَتْ فِي كِتَابِنَا حُجَّةٌ، وَكَمْ مِثْلُهَا فِي أَدِلَّةِ أَحْكَامِنَا حَتَّى يَظْهَرَ النَّاسِخُ، وَمَا ذُكِرَ هُنَا يَعْنِي فِي الْبَقَرَةِ يَصْلُحُ مُفَسِّرًا فَلَا يُجْعَل نَاسِخًا، وَأَمَّا أَنَّ تِلْكَ الْآيَةَ يَعْنِي آيَةَ الْمَائِدَةِ لَيْسَتْ نَاسِخَةً لِهَذِهِ فَلِأَنَّهَا مُفَسَّرَةٌ بِهَا فَلَا تَكُونُ هِيَ مَنْسُوخَةً بِهَا.
وَدَلِيلٌ آخَرُ عَلَى عَدَمِ النَّسْخِ أَنَّ تِلْكَ، أَعْنِي النَّفْسَ بِالنَّفْسِ حِكَايَةٌ لِمَا فِي التَّوْرَاةِ، وَهَذِهِ أَعْنِي {الْحُرُّ بِالْحُرِّ} [البقرة: ١٧٨] . . . إلَخْ، خِطَابٌ لَنَا وَحُكْمٌ عَلَيْنَا فَلَا تَرْفَعُهَا تِلْكَ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ يَعْنِي الزَّمَخْشَرِيّ بِقَوْلِهِ: وَلِأَنَّ تِلْكَ عَطْفًا عَلَى مَضْمُونِ قَوْلِهِ، وَيَقُولُونَ: هِيَ مُفَسِّرَةٌ، لَكِنَّهُمْ يَقُولُونَ: إنَّ الْمَحْكِيَّ فِي كِتَابِنَا مِنْ شَرِيعَةِ مَنْ قَبْلَنَا بِمَنْزِلَةِ الْمَنْصُوصِ الْمُقَرَّرِ فَيَصْلُحُ نَاسِخًا، وَمَا ذَكَرْنَا مِنْ كَوْنِهِ مُفَسَّرًا إنَّمَا يَتِمُّ لَوْ كَانَ قَوْلُنَا النَّفْسُ بِالنَّفْسِ مُبْهَمًا وَلَا إبْهَامَ بَلْ هُوَ عَامٌّ، وَالتَّنْصِيصُ عَلَى بَعْضِ الْأَفْرَادِ لَا يَدْفَعُ الْعُمُومَ سِيَّمَا وَالْخَصْمُ يَدَّعِي تَأَخُّرَ الْعَامِّ حَيْثُ يَجْعَلهُ نَاسِخًا، لَكِنْ يَرُدّ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ رَفْعُ شَيْءٍ مِنْ الْحُكْمِ السَّابِقِ بَلْ إثْبَاتُ زِيَادَةِ حُكْمٍ آخَرَ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ فِي قَوْلِهِ: {الْحُرُّ بِالْحُرِّ} [البقرة: ١٧٨] الْآيَةُ، دَلَالَةٌ عَلَى وُجُوبِ اعْتِبَارِ الْمُسَاوَاةِ فِي الْحُرِّيَّةِ وَالذُّكُورَةِ دُونَ الرِّقِّ وَالْأُنُوثَةِ انْتَهَى كَلَامُ السَّعْدِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِالْقُرْآنِ عَلَى قَتْلِ الْحُرِّ بِالْعَبْدِ أَوْ عَدَمِهِ أَوْ قَتْلِ الذَّكَرِ بِالْأُنْثَى أَوْ عَدَمِهِ لَا يَخْلُو عَنْ إشْكَالٍ يَفُتّ فِي عَضُدِ الظَّنِّ الْحَاصِلِ بِالِاسْتِدْلَالِ، فَالْأَوْلَى التَّعْوِيلُ عَلَى مَا سَلَفَ مِنْ الْأَحَادِيثِ الْقَاضِيَةِ بِأَنَّهُ لَا يُقْتَلُ الْحُرُّ بِالْعَبْدِ، وَعَلَى مَا وَرَدَ مِنْ الْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ الْقَاضِيَةِ بِأَنَّهُ يُقْتَلُ الذَّكَرُ بِالْأُنْثَى. مِنْهَا حَدِيثُ الْبَابِ وَإِنْ كَانَ لَا يَخْلُو عَنْ إشْكَالٍ، لِأَنَّ قَتْلَ الذَّكَرِ الْكَافِرِ بِالْأُنْثَى الْمُسْلِمَةِ لَا يَسْتَلْزِمُ قَتْلَ الذَّكَرِ الْمُسْلِمِ بِهَا لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ التَّفَاوُتِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ إلَّا مَا أَسْلَفْنَا مِنْ الْأَدِلَّةِ الْقَاضِيَةِ بِأَنَّهُ لَا يُقْتَلُ الْمُسْلِمُ بِالْكَافِرِ. وَمِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَتَبَ فِي كِتَابِهِ إلَى أَهْلِ الْيَمَنِ أَنَّ الذَّكَرَ يُقْتَلُ بِالْأُنْثَى» وَهُوَ عِنْدَهُمَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ: «أَنَّ فِي الْكِتَابِ الَّذِي كَتَبَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ أَنَّ الذَّكَرَ يُقْتَلُ بِالْأُنْثَى» وَوَصَلَهُ نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، وَجَدُّهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ وُلِدَ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَكِنْ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ كَمَا قَالَ الْحَافِظُ. وَكَذَا أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ. وَمِنْ طَرِيقِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute