بِالصَّدَقَةِ وَنَهَانَا عَنْ الْمُثْلَةِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَلَهُ مِثْلُهُ مِنْ رِوَايَةِ سَمُرَة
بَابُ مَا جَاءَ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ
ــ
[نيل الأوطار]
بِالصَّدَقَةِ وَنَهَانَا عَنْ الْمُثْلَةِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَلَهُ مِثْلُهُ مِنْ رِوَايَةِ سَمُرَةَ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ أَصْلُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالْمُغِيرَةَ بْنِ شُعْبَةَ وَلَكِنْ بِدُونِ زِيَادَةٍ قَوْلُهُ: " وَأَنْ تُقْتَلَ بِهَا " الَّتِي هِيَ الْمَقْصُودُ مِنْ ذِكْرِ الْحَدِيثِ هَهُنَا.
وَقَدْ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: إنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ لَمْ تُذْكَرْ فِي غَيْرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ. وَحَدِيثُ أَنَسٍ رِجَالُ إسْنَادِهِ ثِقَاتٌ، فَإِنَّ النَّسَائِيّ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ فَذَكَرَهُ.
وَحَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَفِيهِ مَنْ لَمْ أَعْرِفْهُمْ انْتَهَى. وَأَحَادِيثُ النَّهْيِ عَنْ الْمُثْلَةِ أَيْضًا أَصْلُهَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْأَنْصَارِيِّ وَفِي غَيْرِهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَفِي الْبَابِ يَعْنِي فِي النَّهْيِ عَنْ الْمُثْلَةِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَشَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ وَسَمُرَةَ وَالْمُغِيرَةَ وَيَعْلَى بْنِ مُرَّةَ وَأَبِي أَيُّوبَ انْتَهَى قَوْلُهُ: (بِمِسْطَحٍ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ أَيْضًا بَعْدَهَا حَاءٌ مُهْمَلَةٌ. قَالَ أَبُو دَاوُد: قَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ: الْمِسْطَحُ: هُوَ الصَّوْلَجُ. اهـ وَالصَّوْلَجُ: الَّذِي يُرَقَّقُ بِهِ الْخُبْزُ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: هُوَ عُودٌ مِنْ أَعْوَادِ الْخِبَاءِ. .
وَقَدْ اسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِحَدِيثِ حَمَلِ بْنِ مَالِكٍ الْمَذْكُورِ عَلَى أَنَّهُ يَثْبُتُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلِ بِالْمِثْقَلِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ، وَمِنْ أَدِلَّتِهِمْ أَيْضًا حَدِيثُ أَنَسٍ الْمَذْكُورُ أَوَّلَ الْبَابِ. وَحُكِيَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا قِصَاصَ بِالْمِثْقَلِ. وَاحْتَجُّوا بِمَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كُلُّ شَيْءٍ خَطَأٌ إلَّا السَّيْفَ وَلِكُلِّ خَطَإٍ أَرْشٌ» وَفِي لَفْظٍ: «كُلُّ شَيْءٍ سِوَى الْحَدِيدَةِ خَطَأٌ وَلِكُلِّ خَطَإٍ أَرْشٌ» وَهَذَا الْحَدِيثُ يَدُورُ عَلَى جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ وَقَيْسِ بْنِ الرَّبِيعِ وَلَا يُحْتَجُّ بِهِمَا، وَأَيْضًا هَذَا الدَّلِيلُ أَخَصُّ مِنْ الدَّعْوَى، فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يُوجِبُ الْقِصَاصَ بِالْمُحَدَّدِ وَلَوْ كَانَ حَجَرًا أَوْ خَشَبًا، وَيُوجِبُهُ أَيْضًا بِالْمَنْجَنِيقِ لِكَوْنِهِ مَعْرُوفًا بِقَتْلِ النَّاسِ وَبِالْإِلْقَاءِ فِي النَّارِ.
فَالرَّاجِحُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْجُمْهُورُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْقِصَاصِ صِيَانَةُ الدِّمَاءِ مِنْ الْإِهْدَارِ، وَالْقَتْلُ بِالْمُثَقَّلِ كَالْقَتْلِ بِالْمُحَدَّدِ فِي إتْلَافِ النُّفُوسِ، فَلَوْ لَمْ يَجِبْ بِهِ الْقِصَاصُ كَانَ ذَلِكَ ذَرِيعَةً إلَى إزْهَاقِ الْأَرْوَاحِ، وَالْأَدِلَّةُ الْكُلِّيَّةُ الْقَاضِيَةُ بِوُجُوبِ الْقِصَاصِ كِتَابًا وَسُنَّةً وَرَدَتْ مُطْلَقَةً غَيْرَ مُقَيَّدَةٍ بِمُحَدَّدٍ أَوْ غَيْرِهِ.
وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْجِنَايَةُ بِشَيْءٍ يُقْصَدُ بِهِ الْقَتْلُ فِي الْعَادَةِ وَكَانَ الْجَانِي عَامِدًا لَا لَوْ كَانَتْ بِمِثْلِ الْعَصَا وَالسَّوْطِ وَالْبُنْدُقَةِ وَنَحْوِهَا فَلَا قِصَاصَ فِيهَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَهِيَ شِبْهُ الْعَمْدِ عَلَى مَا سَيَأْتِي تَحْقِيقُهُ. وَسَيَأْتِي أَيْضًا بَقِيَّةُ الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ حَمَلِ بْنِ مَالِكٍ فِي بَابِ دِيَةِ الْجَنِينِ مِنْ أَبْوَابِ الدِّيَاتِ، وَقَدْ اسْتَدَلَّ بِالْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ فِي النَّهْيِ عَنْ الْمُثْلَةِ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاقْتِصَاصُ بِغَيْرِ السَّيْفِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَكَرِهَ أَهْلُ الْعِلْمِ الْمُثْلَةَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute