للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَابُ مَا جَاءَ فِي الْقَسَامَةِ

ــ

[نيل الأوطار]

اقْتِصَارِهِ عَلَى حِكَايَةِ ذَلِكَ عَنْهُمَا فَقَطْ أَنَّ مَنْ عَدَاهُمَا يَقُولُ بِخِلَافِهِ، وَالْمَعْرُوفُ مِنْ مَذْهَبِ الْهَادَوِيَّةِ أَنَّهَا لَا تَقْبَلُ فِي الْقِصَاصِ إلَّا شَهَادَةَ رَجُلَيْنِ أَصْلَيْنِ لَا فَرْعَيْنِ، وَالْمَعْرُوفُ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ يَكْفِي فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْمَالِ وَالْعُقُودِ الْمَالِيَّةِ شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ.

وَفِي عُقُوبَةٍ لِلَّهِ تَعَالَى كَحَدِّ الشُّرْبِ وَقَطْعِ الطَّرِيقِ، أَوْ لِآدَمِيٍّ كَالْقِصَاصِ رَجُلَانِ. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْمِنْهَاجِ مَا لَفْظُهُ: وَلِمَالٍ وَعَقْدٍ مَالِيٍّ كَبَيْعٍ وَإِقَالَةٍ وَحَوَالَةٍ وَضَمَانٍ وَحَقٍّ مَالِيٍّ كَخِيَارٍ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ، وَلِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ عُقُوبَةٍ لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ لِآدَمِيٍّ وَمَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ رِجَالٌ غَالِبًا كَنِكَاحٍ وَطَلَاقٍ وَرَجْعَةٍ وَإِسْلَامٍ وَرِدَّةٍ وَجَرْحٍ وَتَعْدِيلٍ وَمَوْتٍ وَإِعْسَارٍ وَوَكَالَةٍ وَوِصَايَةٍ وَشَهَادَةٍ عَلَى شَهَادَةٍ رَجُلَانِ انْتَهَى. وَاسْتَدَلَّ الشَّارِحُ الْمَحَلِّيُّ لِلْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [البقرة: ٢٨٢] قَالَ: وَعُمُومُ الْأَشْخَاصِ مُسْتَلْزَمٌ لِعُمُومِ الْأَحْوَالِ الْمُخْرَجُ مِنْهُ مَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْأَرْبَعَةُ وَمَا لَا يُكْتَفَى فِيهِ بِالرَّجُلِ وَالْمَرْأَتَيْنِ.

وَاسْتَدَلَّ لِلثَّانِي بِمَا رَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: «مَضَتْ السُّنَّةُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِي الْحُدُودِ وَلَا فِي النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ» . وَقَالَ: وَقِيسَ عَلَى الثَّلَاثَةِ بَاقِي الْمَذْكُورَاتِ بِجَامِعِ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَالٍ وَلَا يُقْصَدُ مِنْهَا مَالٌ، وَالْقَصْدُ مِنْ الْوَكَالَةِ وَالْوِصَايَةِ الرَّاجِعَتَيْنِ إلَى الْمَالِ الْوِلَايَةُ وَالْخِلَافَةُ لَا الْمَالُ انْتَهَى. وَقَدْ أَخْرَجَ قَوْلَ الزُّهْرِيِّ الْمَذْكُورَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ بِإِسْنَادٍ فِيهِ الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ مَعَ كَوْنِ الْحَدِيثِ مُرْسَلًا لَا تَقُومُ بِمِثْلِهِ الْحُجَّةُ فَلَا يَصْلُحُ لِتَخْصِيصِ عُمُومِ الْقُرْآنِ بِاعْتِبَارِ مَا دَخَلَ تَحْتَ نَصِّهِ فَضْلًا عَمَّا لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَهُ بَلْ أُلْحِقَ بِهِ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ، وَأَمَّا الْحَدِيثَانِ الْمَذْكُورَانِ فِي الْبَابِ فَلَيْسَ فِيهِمَا إلَّا مُجَرَّدُ التَّنْصِيصِ عَلَى شَهَادَةِ الشَّاهِدَيْنِ فِي الْقِصَاصِ، وَذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ قَبُولِ شَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، وَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَلَبَ مَا هُوَ الْأَصْلُ الَّذِي لَا يُجْزِي عَنْهُ غَيْرُهُ إلَّا مَعَ عَدَمِهِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [البقرة: ٢٨٢] وَالْأَصْلُ مَعَ إمْكَانِهِ مُتَعَيِّنٌ لَا يَجُوزُ الْعُدُولُ إلَى بَدَلِهِ مَعَ وُجُودِهِ فَذَلِكَ هُوَ النُّكْتَةُ فِي التَّنْصِيصِ فِي حَدِيثَيْ الْبَابِ عَلَى شَهَادَةِ الشَّاهِدَيْنِ قَوْلُهُ: (إنَّ ابْنَ مُحَيِّصَةُ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ التَّحْتَانِيَّةِ وَتَشْدِيدِهَا وَفَتْحِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ.

قَوْلُهُ: (بِرُمَّتِهِ) بِضَمِّ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ: وَهِيَ الْحَبْلُ الَّذِي يُقَادُ بِهِ. قَوْلُهُ: (فَقَسَّمَ دِيَتَهُ عَلَيْهِمْ) هُوَ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ الْآتِي وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>