للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[نيل الأوطار]

ابْنُ عُمَرَ فِي الْأَثَرِ الْمَذْكُورِ، وَكَمَا رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ: لَوْ وَجَدْتُ فِيهِ قَاتِلَ الْخَطَّابِ مَا مَسَسْتُهُ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْهُ.

وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: لَوْ وَجَدْتُ قَاتِلَ أَبِي فِي الْحَرَمِ مَا هِجْتُهُ.

وَأَمَّا الِاسْتِدْلَال بِحَدِيثِ أَنَسٍ الْمَذْكُورِ فَوَهْمٌ، لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِقَتْلِ ابْنِ خَطَلٍ السَّاعَةَ الَّتِي أَحَلَّ اللَّهُ فِيهَا الْقِتَالَ بِمَكَّةَ، وَقَدْ أَخْبَرَنَا بِأَنَّهَا لَمْ تَحِلّ لِأَحَدٍ قَبْلَهُ وَلَا لِأَحَدٍ بَعْدَهُ، وَأَخْبَرَنَا أَنَّ حُرْمَتَهَا قَدْ عَادَتْ بَعْدَ تِلْكَ السَّاعَةِ كَمَا كَانَتْ، وَأَمَّا الِاسْتِدْلَال بِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ الْقَاضِيَةِ بِاسْتِيفَاءِ الْحُدُودِ فَيُجَابُ أَوَّلًا بِمَنْعِ عُمُومِهَا لِكُلِّ مَكَان وَكُلِّ زَمَانٍ لِعَدَمِ التَّصْرِيحِ بِهِمَا. وَعَلَى تَسْلِيمِ الْعُمُومِ فَهُوَ مُخَصَّصٌ بِأَحَادِيثِ الْبَابِ لِأَنَّهَا قَاضِيَةٌ بِمَنْعِ ذَلِكَ فِي مَكَان خَاصٍّ وَهِيَ مُتَأَخِّرَة فَإِنَّهَا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بَعْدَ شَرْعِيَّةِ الْحُدُودِ. هَذَا إذَا ارْتَكَبَ مَا يُوجِبُ حَدًّا أَوْ قِصَاصًا فِي خَارِجِ الْحَرَمِ ثُمَّ لَجَأَ إلَيْهِ.

وَأَمَّا إذَا ارْتَكَبَ مَا يُوجِبُ حَدًّا أَوْ قِصَاصًا فِي الْحَرَمِ فَذَهَبَ بَعْضُ الْعِتْرَةِ إلَى أَنَّهُ يُخْرَجُ مِنْ الْحَرَمِ وَيُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ.

وَرَوَى أَحْمَدُ عَنْ ابْن عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: " مَنْ سَرَقَ أَوْ قَتَلَ فِي الْحَرَمِ أُقِيمَ عَلَيْهِ فِي الْحَرَمِ ". وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ} [البقرة: ١٩١] وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا أَنَّ الْجَانِيَ فِي الْحَرَمِ هَاتِكٌ لِحُرْمَتِهِ بِخِلَافِ الْمُلْتَجِئِ إلَيْهِ. وَأَيْضًا لَوْ تُرِكَ الْحَدُّ وَالْقِصَاصُ عَلَى مَنْ فَعَلَ مَا يُوجِبُهُ فِي الْحَرَمِ لَعَظُمَ الْفَسَادُ فِي الْحَرَمِ. وَظَاهِرُ أَحَادِيثِ الْبَابِ الْمَنْعُ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ اللَّاجِئِ إلَى الْحَرَمِ، وَالْمُرْتَكِبِ لِمَا يُوجِبُ حَدًّا أَوْ قِصَاصًا فِي دَاخِلِهِ وَبَيْنَ قَتْلِ النَّفْسِ أَوْ قَطْعِ الْعُضْوِ، وَالْآيَةُ الَّتِي فِيهَا الْإِذْنُ بِمُقَاتَلَةِ مَنْ قَاتَلَ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لَا تَدُلُّ إلَّا عَلَى جَوَازِ الْمُدَافَعَةِ لِمَنْ قَاتَلَ حَالَ الْمُقَاتَلَةِ كَمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ التَّقَيُّدُ بِالشَّرْطِ.

وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي كَوْنِ هَذِهِ الْآيَةِ مَنْسُوخَةً وَمُحْكَمَةً حَتَّى قَالَ أَبُو جَعْفَرِ فِي كِتَابِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ: إنَّهَا مِنْ أَصْعَبِ مَا فِي النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ، فَمَنْ قَالَ بِأَنَّهَا مُحْكَمَةٌ مُجَاهِدٌ وَطَاوُسٌ، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِابْتِدَاءُ بِالْقِتَالِ فِي الْحَرَمِ تَمَسُّكًا بِظَاهِرِ الْآيَةِ وَبِأَحَادِيثِ الْبَابِ، وَقَالَ فِي جَامِعِ الْبَيَانِ: إنَّ هَذَا قَوْلُ الْأَكْثَرِ.

وَمِنْ الْقَائِلِينَ بِالنَّسْخِ قَتَادَةُ قَالَ: وَالنَّاسِخُ لَهُمَا قَوْله تَعَالَى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ} [البقرة: ١٩٣] وَقِيلَ بِآيَةِ التَّوْبَةِ كَمَا ذَكَرَ النَّجَرِيُّ قَالَ أَبُو جَعْفَرِ: وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ النَّظَرِ وَأَنَّ الْمُشْرِكِينَ يُقَاتَلُونَ فِي الْحَرَمِ وَغَيْرِهِ بِالْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: ٥] وَبَرَاءَةُ نَزَلَتْ بَعْدَ الْبَقَرَةِ بِسَنَتَيْنِ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً} [التوبة: ٣٦] ، وَأَمَّا السُّنَّةُ فَمَا رُوِيَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «دَخَلَ وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ فَقَتَلَ ابْنَ خَطَلٍ» .

وَقَدْ اخْتَارَ صَاحِبُ تَيْسِيرِ الْبَيَانِ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ وَقَرَّرَهُ. وَرَدَّ دَعْوَى النَّسْخِ؛ أَمَّا بِآيَةِ بَرَاءَةِ فَلِأَنَّ قَوْله تَعَالَى فِي الْمَائِدَةِ: {لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ} [المائدة: ٢] مُوَافِقٌ لِآيَةِ الْبَقَرَةِ، وَالْمَائِدَةُ نَزَلَتْ بَعْدَ بَرَاءَةٍ فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْقُرْآنِ، ثُمَّ إنَّ كَلِمَةَ " حَيْثُ " تَدُلُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>