. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نيل الأوطار]
لَمَّا اُسْتُعْمِلَ هَذَا اللَّفْظُ فِي بَيْعَةِ الرِّجَالِ اُحْتِيجَ إلَى حَمْلِهِ عَلَى غَيْرِ مَا وَرَدَ فِيهِ أَوَّلًا قَوْلُهُ وَلَا تَعْصُوا فِي مَعْرُوفٍ هُوَ مَا عُرِفَ مِنْ الشَّارِعِ حُسْنُهُ نَهْيًا وَأَمْرًا قَالَ النَّوَوِيُّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ وَلَا تَعْصُونِي وَلَا أَحَدًا وَلِيَ الْأَمْرَ عَلَيْكُمْ فِي الْمَعْرُوفِ فَيَكُونَ التَّقْيِيدُ بِالْمَعْرُوفِ مُتَعَلِّقًا بِشَيْءٍ بَعْدَهُ وَقَالَ غَيْرُهُ نَبَّهَ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ طَاعَةَ الْمَخْلُوقِ إنَّمَا تَجِبُ فِيمَا كَانَ غَيْرَ مَعْصِيَةِ اللَّهِ فَهِيَ جَدِيرَةٌ بِالتَّوَقِّي فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ قَوْلُهُ فَمَنْ وَفَّى مِنْكُمْ أَيْ ثَبَتَ عَلَى الْعَهْدِ وَلَفْظُ وَفَّى بِالتَّخْفِيفِ وَفِي رِوَايَةٍ بِالتَّشْدِيدِ وَهُمَا بِمَعْنًى قَوْلُهُ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ هَذَا عَلَى سَبِيلِ التَّفْخِيمِ لِأَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ الْمُبَالَغَةَ الْمُقْتَضِيَةَ لِوُجُودِ الْعِوَضِ أَثْبَتَ ذِكْرَ الْأَجْرِ وَقَدْ وَقَعَ التَّصْرِيحُ فِي رِوَايَةٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ بِالْعِوَضِ فَقَالَ بِالْجَنَّةِ قَوْلُهُ «وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَعُوقِبَ بِهِ» فَهُوَ أَيْ الْعِقَابُ كَفَّارَةٌ لَهُ قَالَ النَّوَوِيُّ عُمُومُ هَذَا الْحَدِيثِ مَخْصُوصٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} [النساء: ٤٨] فَالْمُرْتَدُّ إذَا قُتِلَ عَلَى ارْتِدَادِهِ لَا يَكُونُ الْقَتْلُ كَفَّارَةً لَهُ قَالَ الْحَافِظُ وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ مَا ذَكَرَ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَقَدْ قِيلَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مَا ذَكَرَ بَعْدَ الشِّرْكِ بِقَرِينَةِ أَنَّ الْمُخَاطَبَ بِذَلِكَ الْمُسْلِمُونَ فَلَا يَدْخُلُ حَتَّى يَحْتَاجَ إلَى إخْرَاجِهِ.
وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْأَشْعَثِ عَنْ عُبَادَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: وَمَنْ أَتَى مِنْكُمْ حَدًّا إذْ الْقَتْلُ عَلَى الشِّرْكِ لَا يُسَمَّى حَدًّا وَيُجَابُ بِأَنَّ خِطَابَ الْمُسْلِمِينَ لَا يَمْنَعُ التَّحْذِيرَ لَهُمْ مِنْ الْإِشْرَاكِ وَأَمَّا كَوْنُ الْقَتْلِ عَلَى الشِّرْكِ لَا يُسَمَّى حَدًّا فَإِنْ أَرَادَ لُغَةً أَوْ شَرْعًا فَمَمْنُوعٌ وَإِنْ أَرَادَ عُرْفًا فَذَلِكَ غَيْرُ نَافِعٍ فَالصَّوَابُ مَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ وَقَالَ الطِّيبِيُّ الْحَقُّ أَنَّ الْمُرَادَ بِالشِّرْكِ الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ وَهُوَ الرِّيَاءُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ تَنْكِيرُ شَيْئًا أَيْ شِرْكًا أَيًّا مَا كَانَ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ عُرْفَ الشَّارِعِ إذَا أَطْلَقَ الشِّرْكَ إنَّمَا يُرِيدُ بِهِ مَا يُقَابِلُ التَّوْحِيدَ وَقَدْ تَكَرَّرَ هَذَا اللَّفْظُ فِي الْكِتَابِ وَالْأَحَادِيثِ حَيْثُ لَا يُرَادُ بِهِ إلَّا ذَلِكَ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ ذَهَبَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ إلَى أَنَّ الْحُدُودَ كَفَّارَاتٌ وَاسْتَدَلُّوا بِالْحَدِيثِ وَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ وَقَفَ لِأَجْلِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّذِي أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَالْبَزَّارُ مِنْ رِوَايَةِ مَعْمَرٍ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا أَدْرِي الْحُدُودُ كَفَّارَةٌ لِأَهْلِهَا أَمْ لَا» .
قَالَ الْحَافِظُ وَهُوَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ. وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ وَذَكَرَ الدَّارَقُطْنِيّ أَنَّ عَبْدَ الرَّزَّاقِ تَفَرَّدَ بِوَصْلِهِ وَأَنَّ هِشَامَ بْنَ يُوسُفَ رَوَاهُ عَنْ مَعْمَرٍ فَأَرْسَلَهُ وَقَدْ وَصَلَهُ الْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ آدَمَ بْنِ أَبِي ذِئْبٍ فَقَوِيَتْ رِوَايَةُ مَعْمَرٍ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ لَكِنَّ حَدِيثَ عُبَادَةَ أَصَحُّ إسْنَادًا وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَنْ يَكُونَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَرَدَ أَوَّلًا قَبْلَ أَنْ يُعْلِمَهُ اللَّهُ ثُمَّ أَعْلَمَهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَهَذَا جَمْعٌ حَسَنٌ لَوْلَا أَنَّ الْقَاضِيَ وَمَنْ تَبِعَهُ جَازِمُونَ بِأَنَّ حَدِيثَ عُبَادَةَ الْمَذْكُورَ كَانَ بِمَكَّةَ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute