. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نيل الأوطار]
أَهْلِ الْعِلْمِ وَإِجْمَاعُهُمْ، وَلَمْ يُخَالِفْ أَحَدٌ مِنْهُمْ إلَّا ابْنُ عَبَّاسٍ، وَأَمَّا مَا نُقِلَ عَنْ بَعْض السَّلَف مِنْ خِلَافِ هَذَا فَمُرَادُ قَائِلِهِ الزَّجْرُ وَالتَّوْرِيَةُ، لَا أَنَّهُ يَعْتَقِدُ بُطْلَانَ تَوْبَتِهِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ وَإِنْ كَانَ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا وَفِي الِاحْتِجَاجِ بِهِ خِلَافٌ فَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعُ الْخِلَافِ وَإِنَّمَا مَوْضِعُهُ إذَا لَمْ يَرِدْ شَرْعُنَا بِمُوَافَقَتِهِ وَتَقْرِيرِهِ فَإِنْ وَرَدَ كَانَ شَرْعًا لَنَا بِلَا شَكٍّ، وَهَذَا وَقَدْ وَرَدَ شَرْعُنَا بِهِ، وَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ} [الفرقان: ٦٨] إلَى قَوْله تَعَالَى: {إِلا مَنْ تَابَ} [الفرقان: ٧٠] الْآيَةُ، وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} [النساء: ٩٣] فَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: إنَّ الصَّوَابَ فِي مَعْنَاهَا أَنَّ جَزَاءَهُ جَهَنَّمُ فَقَدْ يُجَازَى بِذَلِكَ.
وَقَدْ يُجَازَى بِغَيْرِهِ. وَقَدْ لَا يُجَازَى بَلْ يُعْفَى عَنْهُ فَإِنْ قَتَلَ عَمْدًا مُسْتَحِلًّا بِغَيْرِ حَقٍّ وَلَا تَأْوِيلٍ فَهُوَ كَافِرٌ مُرْتَدٌّ يَخْلُدُ فِي جَهَنَّمِ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُسْتَحِلٍّ بَلْ مُعْتَقِدًا تَحْرِيمَهُ فَهُوَ فَاسِقٌ عَاصٍ مُرْتَكِبُ كَبِيرَةٍ جَزَاؤُهَا جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا، لَكِنْ تَفَضَّلَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَخْبَرَ أَنَّهُ لَا يَخْلُدُ مَنْ مَاتَ مُوَحِّدًا فِيهَا فَلَا يَخْلُدُ هَذَا وَلَكِنْ قَدْ يُعْفَى عَنْهُ وَلَا يَدْخُلُ النَّارَ أَصْلًا. وَقَدْ لَا يُعْفَى عَنْهُ بَلْ يُعَذَّبُ كَسَائِرِ عُصَاةِ الْمُوَحِّدِينَ ثُمَّ يَخْرُجُ مَعَهُمْ إلَى الْجَنَّةِ وَلَا يَخْلُدُ فِي النَّارِ، وَقَالَ: فَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ فِي مَعْنَى الْآيَةِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ يَسْتَحِقُّ أَنْ يُجَازَى بِعُقُوبَةٍ مَخْصُوصَةٍ أَنْ يَتَحَتَّمَ ذَلِكَ الْجَزَاءُ، وَلَيْسَ فِي الْآيَةِ إخْبَارٌ بِأَنَّهُ يَخْلُدُ فِي جَهَنَّمَ وَإِنَّمَا فِيهَا أَنَّهَا جَزَاؤُهُ: أَيْ يَسْتَحِقُّ أَنْ يُجَازَى بِذَلِكَ. وَقِيلَ: وَرَدَتْ الْآيَةُ فِي رَجُلٍ بِعَيْنِهِ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْخُلُودِ طُولُ الْمُدَّةِ لَا الدَّوَامُ. وَقِيلَ: مَعْنَاهَا هَذَا جَزَاؤُهُ إنْ جَازَاهُ، وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ أَوْ فَاسِدَةٌ لِمُخَالَفَتِهَا حَقِيقَةَ لَفْظِ الْآيَةِ، ثُمَّ قَالَ: الصَّوَابُ مَا قَدَّمْنَاهُ، ا. هـ. انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ. وَيَنْبَغِي أَنْ نَتَكَلَّمَ أَوَّلًا فِي مَعْنَى الْخُلُودِ، ثُمَّ نُبَيِّنُ ثَانِيًا الْجَمْعَ بَيْنَ هَذِهِ الْآيَةِ وَبَيْنَ مَا خَالَفَهَا، فَنَقُولُ: مَعْنَى الْخُلُودِ الثَّبَاتُ الدَّائِمُ. قَالَ فِي الْكَشَّافِ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى قَوْله تَعَالَى: {وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: ٢٥] مَا لَفْظُهُ: وَالْخُلْدُ: الثَّبَاتُ الدَّائِمُ وَالْبَقَاءُ اللَّازِمُ الَّذِي لَا يَنْقَطِعُ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ} [الأنبياء: ٣٤] وَقَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
أَلَا انْعِمْ صَبَاحًا أَيُّهَا الطَّلَلُ الْبَالِي ... وَهَلْ يَنْعَمَنْ مَنْ كَانَ فِي الْعَصْرِ الْخَالِي
وَهَلْ يَنْعَمْنَ إلَّا سَعِيدٌ مُخَلَّدٌ ... قَلِيلُ الْهُمُومِ لَا يَبِيتُ عَلَى حَالِ
وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ: وَخَلَدَ خُلُودًا دَامَ. اهـ، وَأَمَّا بَيَانُ الْجَمْعِ بَيْنَ هَذِهِ الْآيَةِ وَمَا خَالَفَهَا فَنَقُولُ: لَا نِزَاعَ أَنَّ قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا} [النساء: ٩٣] مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ الشَّامِلَةِ لِلتَّائِبِ وَغَيْرِ التَّائِبِ بَلْ لِلْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ وَالِاسْتِثْنَاءُ الْمَذْكُورُ فِي آيَةِ الْفُرْقَانِ، أَعْنِي قَوْله تَعَالَى: {إِلا مَنْ تَابَ} [الفرقان: ٧٠] بَعْدَ قَوْله تَعَالَى: {وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ} [الفرقان: ٦٨] مُخْتَصٌّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute