بَابِ دِيَةِ الْجَنِينِ
ــ
[نيل الأوطار]
«دِيَةُ الْمَرْأَةِ نِصْفُ دِيَةَ الرَّجُلِ» قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: إسْنَادُهُ لَا يَثْبُتُ مِثْلُهُ.
وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَلِيٍّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ: دِيَة الْمَرْأَةِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ فِي الْكُلِّ، وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ عَنْهُ وَفِيهِ انْقِطَاعٌ. وَأَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةِ مِنْ طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ عَنْهُ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْهُ وَعَنْ عُمَرَ. قَوْلُهُ: (عَقْلُ الْمَرْأَةِ مِثْلُ عَقْلِ الرَّجُلِ حَتَّى يَبْلُغَ الثُّلُثَ مِنْ دِيَتَهُ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أَرْشَ الْمَرْأَةِ يُسَاوِي أَرْشَ الرَّجُل فِي الْجِرَاحَاتِ الَّتِي لَا يَبْلُغُ أَرْشُهَا إلَى ثُلُثِ دِيَةِ الرَّجُلِ وَفِيمَا بَلَغَ أَرْشُهُ إلَى مِقْدَارِ الثُّلُثِ مِنْ الْجِرَاحَاتِ يَكُون أَرْشُهُ فِيهِ كَنِصْفِ أَرْشِ الرَّجُلِ لِحَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ الْمَذْكُورِ
وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْجُمْهُورُ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنْهُمْ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ، وَهُوَ مَذْهَبُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ عَنْهُ. وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَهُوَ مَرْوِيُّ عَنْ عُمَرَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَالشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ، وَصِفَةُ التَّقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ عَلَى الصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي حَدِيثِ الْبَابِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فَإِنَّهُ جَعَلَ أَرْشَ أُصْبُعِهَا عَشْرًا وَأَرْشَ الْأُصْبُعَيْنِ عِشْرِينَ وَأَرْشَ الثَّلَاثِ ثَلَاثِينَ لِأَنَّهَا دُون ثُلُثِ دِيَةِ الرَّجُلِ، فَلَمَّا سَأَلَهُ السَّائِلُ عَنْ أَرْشِ الْأَرْبَعِ الْأَصَابِعِ جَعَلَهَا عِشْرِينَ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا جَاوَزَتْ ثُلُثَ دِيَةِ الرَّجُلِ وَكَانَ أَرْشُ الْأَصَابِعِ الْأَرْبَعِ مِنْ الرَّجُلِ أَرْبَعِينَ مِنْ الْإِبِلِ كَانَ أَرْشُ الْأَرْبَعِ مِنْ الْمَرْأَةِ عِشْرِينَ وَهَذَا كَمَا قَالَ رَبِيعَةُ بْنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ " إنَّ الْمَرْأَةَ حِين عَظُمَ جُرْحُهَا وَاشْتَدَّتْ مُصِيبَتُهَا نَقَصَ عَقْلُهَا "
وَالسَّبَبُ فِي ذَلِكَ أَنَّ سَعِيدًا جَعَلَ التَّنْصِيفَ بَعْدَ بُلُوغِ الثُّلُثِ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ رَاجِعًا إلَى جَمِيعِ الْأَرْشِ، وَلَوْ جَعَلَ التَّنْصِيفَ بِاعْتِبَارِ الْمِقْدَارِ الزَّائِدِ عَلَى الثُّلُثِ لَا بِاعْتِبَارِ مَا دُونه فَيَكُونُ مَثَلًا فِي الْأُصْبُعِ الرَّابِعَةِ مِنْ الْمَرْأَةِ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي جَاوَزَتْ الثُّلُثَ وَلَا يَحْكُمُ بِالتَّنْصِيفِ فِي الثَّلَاثِ الْأَصَابِعِ، فَإِذَا قُطِعَ مِنْ الْمَرْأَةِ أَرْبَعُ أَصَابِعً كَانَ فِيهَا خَمْسٌ وَثَلَاثُونَ نَاقَةً لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ إشْكَالٌ وَلَمْ يَدُلَّ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ الْمَذْكُورُ إلَّا عَلَى أَنَّ أَرْشهَا فِي الثُّلُثِ فَمَا دُونَ مِثْل أَرْشِ الرَّجُلِ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا إذَا حَصَلَتْ الْمُجَاوَزَةُ لِلثُّلُثِ لَزِمَ تَنْصِيفُ مَا لَمْ يُجَاوِزْ الثُّلُثَ مِنْ الْجِنَايَاتِ عَلَى فَرْضِ وُقُوعِهَا مُتَعَدِّدَةً كَالْأَصَابِعِ وَالْأَسْنَانِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَتْ جِنَايَةً وَاحِدَةً مُجَاوِزَةً لِلثُّلُثِ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ فَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ بِاسْتِحْقَاقِ نِصْفِ أَرْشِ الرَّجُلِ فِي الْكُلِّ فَإِنْ كَانَ مَا أَفْتَى بِهِ سَعِيدٌ مَفْهُومًا مِنْ مِثْل حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ فَغَيْرُ مُسَلَّمٍ، وَإِنْ كَانَ حَفِظَ ذَلِكَ التَّفْصِيلَ مِنْ السُّنَّةِ الَّتِي أَشَارَ إلَيْهَا فَإِنْ أَرَادَ سُنَّةَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الشَّافِعِيِّ فَلَيْسَ فِي ذَلِكَ حُجَّةٌ
وَإِنْ أَرَادَ السُّنَّةَ الثَّابِتَةَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَعَمْ، وَلَكِنْ مَعَ الِاحْتِمَالِ لَا يَنْتَهِضُ إطْلَاقُ تِلْكَ السُّنَّةِ لِلِاحْتِجَاجِ بِهِ، وَلَا سِيَّمَا بَعْدَ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ إنَّهُ عَلِمَ أَنَّ سَعِيدًا أَرَادَ سُنَّةَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَالْمُرْسَلُ لَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ، فَالْأَوْلَى أَنْ يُحْكَمَ فِي الْجِنَايَاتِ الْمُتَعَدِّدَةِ بِمِثْلِ أَرْشِ الرَّجُلِ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute