للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣٠٨٥ - (وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ «أَنَّ غُلَامًا لِأُنَاسٍ فُقَرَاءَ قَطَعَ أُذُنَ غُلَامٍ لِأُنَاسٍ أَغْنِيَاءَ فَأَتَى أَهْلُهُ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ إنَّا أُنَاسٌ فُقَرَاءُ، فَلَمْ يَجْعَلْ عَلَيْهِ شَيْئًا» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ، وَفِقْهُهُ أَنَّ مَا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ يَسْقُطُ عَنْهُمْ بِفَقْرِهِمْ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْقَاتِلِ) .

٣٠٨٦ - (وَعَنْ عَمْرِو بْنِ الْأَحْوَصِ «أَنَّهُ شَهِدَ حِجَّةَ الْوَدَاعِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -،

ــ

[نيل الأوطار]

قَوْلُهُ: (قَضَى فِي الْجَنِينِ الْمَقْتُولِ بِغُرَّةٍ. . . إلَخْ) قَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ الْجَنِينِ وَالْغُرَّةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا فِي بَابِ دِيَةِ الْجَنِينِ. قَوْلُهُ: (وَبَرَّأَ زَوْجَهَا وَوَلَدَهَا) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الزَّوْجَ وَالْوَلَدَ لَيْسَا مِنْ الْعَاقِلَةِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ، وَذَهَبَتْ الْعِتْرَةُ إلَى أَنَّ الْوَلَدَ مِنْ جُمْلَة الْعَاقِلَةِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ.

الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَيْضًا ابْنُ مَاجَهْ، وَصَحَّحَ الْحَافِظُ إسْنَادَهُ، وَهُوَ عِنْدَ أَبِي دَاوُد مِنْ رِوَايَةِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَنْ مُعَاذِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، وَهَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ.

وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْفَقِيرَ لَا يَضْمَنُ أَرْشَ مَا جَنَاهُ وَلَا يَضْمَنُ عَاقِلَتَهُ أَيْضًا ذَلِكَ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: إنْ كَانَ الْمُرَادُ فِيهِ الْغُلَامَ الْمَمْلُوكَ فَإِجْمَاعُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ جِنَايَةَ الْعَبْدِ فِي رَقَبَتِهِ، وَقَدْ حَمَلَهُ الْخَطَّابِيِّ عَلَى أَنَّ الْجَانِيَ كَانَ حُرًّا وَكَانَتْ الْجِنَايَةُ خَطَأً وَكَانَتْ عَاقِلَتُهُ فُقَرَاءَ، فَلَمْ يَجْعَلْ عَلَيْهِمْ شَيْئًا إمَّا لِفَقْرِهِمْ وَإِمَّا لِأَنَّهُمْ لَا يَعْقِلُونَ الْجِنَايَةَ الْوَاقِعَةَ مِنْ الْعَبْدِ عَلَى الْعَبْدِ عَلَى فَرْضِ أَنَّ الْجَانِيَ كَانَ عَبْدًا، وَقَدْ يَكُونُ الْجَانِي غُلَامًا حُرًّا وَكَانَتْ الْجِنَايَةُ عَمْدًا فَلَمْ يَجْعَلْ أَرْشَهَا عَلَى عَاقِلَتِهِ وَكَانَ فَقِيرًا فَلَمْ يَجْعَلْ فِي الْحَالِ عَلَيْهِ شَيْئًا أَوْ رَآهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ فَوَجَدَهُمْ فُقَرَاءَ فَلَمْ يَجْعَلْ عَلَيْهِمْ شَيْئًا لِفَقْرِهِمْ وَلَا عَلَيْهِ لِكَوْنِ جِنَايَتِهِ فِي حُكْمِ الْخَطَإِ، هَذَا مَعْنَى كَلَامِ الْخَطَّابِيِّ

وَقَدْ ذَهَبَ أَكْثَرُ الْعِتْرَةِ إلَى أَنَّ جِنَايَةَ الْخَطَإِ تَلْزَمُ الْعَاقِلَةَ وَإِنْ كَانُوا فُقَرَاءَ، قَالُوا: إذَا شُرِعَتْ لِحَقْنِ دَمِ الْخَاطِئِ فَعَمَّ الْوُجُوبُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا تَلْزَمُ الْفَقِيرَ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: تَلْزَمُ الْفَقِيرَ إذَا كَانَ لَهُ حِرْفَةٌ وَعَمَلٌ. وَقَدْ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ إلَى أَنَّ عَمْدَ الصَّغِيرِ فِي مَالِهِ وَكَذَلِكَ الْمَجْنُونُ وَلَا يَلْزَمُ الْعَاقِلَةَ. وَذَهَبَتْ الْعِتْرَةُ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ إلَى أَنَّ عَمْدَ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ عَلَى عَاقِلَتِهِمَا وَاسْتَدَلَّ لَهُمْ فِي الْبَحْرِ بِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ: لَا عَمْدَ لِلصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينَ، قَالَ: وَهُوَ تَوْقِيفٌ أَوْ اجْتِهَادٌ اُشْتُهِرَ وَلَمْ يُنْكَرْ، وَلَا بُدَّ مِنْ تَأْوِيلِ لَفْظِ الْغُلَامِ بِمَا سَلَفَ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْإِجْمَاعِ، وَسَيَأْتِي أَيْضًا حَدِيثُ أَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَعْقِلُ جِنَايَةَ الْعَبْدِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>