للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[نيل الأوطار]

الصَّحِيحِ. وَأَحَادِيثُ الْبَابِ يَشْهَدُ بَعْضُهَا لِبَعْضٍ وَيُقَوِّي بَعْضُهَا بَعْضًا. وَالثَّلَاثَةُ الْأَحَادِيثُ الْأُوَلُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ الْوَلَدُ مِنْ جِنَايَةِ أَبِيهِ شَيْئًا، وَلَا يَضْمَنُ الْوَالِدُ مِنْ جِنَايَةِ ابْنِهِ شَيْئًا، أَمَّا عَدَمُ ضَمَانِ الْوَلَدِ فَهُوَ مَخْصُوصٌ مِنْ ضَمَانِ الْعَاقِلَةِ بِمَا سَلَفَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ، وَأَمَّا الْأَبُ فَقَدْ اُسْتُدِلَّ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ جِنَايَةَ ابْنِهِ كَمَا أَنَّ الِابْنَ لَا يَضْمَنُ جِنَايَةُ الْأَبِ، وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ فِي الِابْنِ وَالْأَبِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَجَعَلَا هَذِهِ الْأَحَادِيثَ مُخَصِّصَةً لِعُمُومِ الْأَحَادِيثِ الْقَاضِيَةِ بِضَمَانِ الْعَاقِلَةِ عَلَى الْعُمُومِ فَلَا يَكُونُ الْأَبُ وَالِابْنُ مِنْ الْعَاقِلَةِ الَّتِي تَضْمَنُ الْجِنَايَةَ الْوَاقِعَةَ عَلَى جِهَةِ الْخَطَإِ.

وَخَالَفَتْهُمَا فِي ذَلِكَ الْعِتْرَةُ كَمَا سَلَفَ، وَيُمْكِنُ الِاسْتِدْلَال لَهُمْ أَنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ قَاضِيَةٌ بِعَدَمِ ضَمَانِ الِابْنِ لِجِنَايَةِ الْأَبِ، وَالْأَبِ لِجِنَايَةِ الِابْنِ سَوَاءٌ كَانَتْ عَمْدًا أَوْ خَطَأً، فَتَكُونُ مُخَصَّصَةً بِالْأَحَادِيثِ الْقَاضِيَةِ بِضَمَانِ الْعَاقِلَةِ، وَهَذَا وَإِنْ سَلِمَ فَلَا يَتِمُّ بِاعْتِبَارِ الِابْنِ لِأَنَّهُ قَدْ خَرَجَ مِنْ عُمُومِ الْعَاقِلَةِ بِمَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ مِنْ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ دِيَةَ الْمَقْتُولَةِ عَلَى عَاقِلَةِ الْقَاتِلَةِ وَبَرَّأَ زَوْجَهَا وَوَلَدَهَا» . وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ قَدْ تَعَارَضَ هَهُنَا عُمُومَانِ لِأَنَّ الْأَحَادِيثَ الْقَاضِيَةَ بِضَمَانِ الْعَاقِلَةِ هِيَ أَعَمُّ مِنْ الْأَبِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَقَارِبِ كَمَا سَلَفَ وَالْأَحَادِيثُ الْمَذْكُورَةُ هِيَ أَعَمُّ مِنْ جِنَايَةِ الْعَمْدِ وَالْخَطَإِ، وَقَدْ قِيلَ: إنَّ مَا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ فِي جِنَايَةِ الْخَطَإِ وَالْقَسَامَةِ لَيْسَ مِنْ تَحَمُّلِ عُقُوبَةِ الْجِنَايَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ النُّصْرَةِ وَالْمُعَاضَدَةِ فِيمَا بَيْنَ الْأَقَارِبِ فَلَا مُعَارَضَةَ بَيْنَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَأَحَادِيثِ ضَمَانِ الْعَاقِلَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ دِيَةِ الْجَنِينِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِأَبِي الْقَاتِلَةِ: أَدِّ فِي الصَّبِيِّ غُرَّةً» وَجَعَلَهُ الْمُصَنِّفُ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ الْأَبَ مِنْ الْعَاقِلَةِ كَمَا سَلَفَ

وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَحَدِيثُ الرَّجُلِ الَّذِي مِنْ بَنِي يَرْبُوعٍ فَهُمَا يَدُلَّانِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُؤَاخَذُ أَحَدٌ بِذَنَبِ أَحَدٍ فِي عُقُوبَةٍ وَلَا ضَمَانٍ وَلَكِنَّهُمَا مُخَصَّصَانِ بِأَحَادِيثِ ضَمَانِ الْعَاقِلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ لِأَنَّهُمَا أَعَمُّ مُطْلَقًا كَمَا خُصِّصَ بِهَا عُمُومُ قَوْله تَعَالَى: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الإسراء: ١٥] وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ ضَمَانَ الْعَاقِلَةِ لِجِنَايَةِ الْخَطَإِ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ عَلَى مَا حَكَاهُ صَاحِبُ الْفَتْحِ، وَقَدْ حَمَلَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذِهِ الْعُمُومَاتِ عَلَى جِنَايَةِ الْعَمْدِ كَمَا سَيَأْتِي. قَوْلُهُ: (وَعَنْ الْخَشْخَاشِ) بِخَاءَيْنِ مُعْجَمَتَيْنِ مَفْتُوحَتَيْنِ وَشِينَيْنِ مُعْجَمَتَيْنِ الْأُولَى سَاكِنَةٌ. قَوْلُهُ: (عَنْ أَبِي رِمْثَةَ) بِكَسْرِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَبَعْدَهَا مِيمٌ سَاكِنَةٌ وَثَاءٌ مُثَلَّثَةٌ وَتَاءُ تَأْنِيثٍ وَاسْمُهُ رِفَاعَةُ بْنُ يَثْرِبِيٍّ بِفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ بَعْدَهَا مُثَلَّثَةٌ سَاكِنَةٌ ثُمَّ رَاءٌ مَكْسُورَةٌ ثُمَّ بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ ثُمَّ يَاءُ النِّسْبَةِ، وَفِي اسْمِهِ اخْتِلَافٌ كَبِيرٌ

قَوْلُهُ: (رَدْعَ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَسُكُونِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا عَيْنٌ مُهْمَلَةٌ: وَهُوَ لَطْخٌ مِنْ زَعْفَرَانٍ أَوْ دَمٍ أَوْ حِنَّاءٍ أَوْ طِيبٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. وَهُوَ هُنَا مِنْ حِنَّاءٍ كَمَا وَقَعَ مُبَيَّنًا فِي الرِّوَايَةِ. قَوْلُهُ: (بِجَرِيرَةِ أَبِيهِ) بِجِيمٍ فَرَاءٍ فَتَحْتِيَّةٍ فَرَاءٍ فَهَاءِ تَأْنِيثٍ. قَالَ فِي الْقَامُوسِ: وَالْجَرِيرَةُ: الذَّنْبُ وَالْجِنَايَةُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>