٣١١٠ - (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «جَاءَ مَاعِزٌ الْأَسْلَمِيُّ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إنَّهُ قَدْ زَنَى، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ جَاءَهُ مِنْ شِقِّهِ الْآخَرِ فَقَالَ: إنَّهُ قَدْ زَنَى، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ جَاءَهُ مِنْ شِقِّهِ الْآخَرِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهُ قَدْ زَنَى، فَأَمَرَ بِهِ فِي الرَّابِعَةِ، فَأُخْرِجَ إلَى الْحَرَّةِ فَرُجِمَ بِالْحِجَارَةِ، فَلَمَّا وَجَدَ مَسَّ الْحِجَارَةِ فَرَّ يَشْتَدُّ حَتَّى مَرَّ بِرَجُلٍ مَعَهُ لَحْيُ جَمَلٍ فَضَرَبَهُ بِهِ وَضَرَبَهُ النَّاسُ حَتَّى مَاتَ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ فَرَّ حِينَ وَجَدَ مَسَّ الْحِجَارَةِ وَمَسَّ الْمَوْتِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هَلَّا تَرَكْتُمُوهُ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ) .
ــ
[نيل الأوطار]
عَلَيْهِ: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ} [هود: ١١٤] إلَى آخِرِ الْآيَةِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ أَلَهُ خَاصَّةً أَمْ لِلنَّاسِ عَامَّةً؟ فَقَالَ: لِلنَّاسِ كَافَّةً» ، هَذَا لَفْظُ أَبِي دَاوُد، وَهَذَا الرَّجُلُ هُوَ أَبُو الْيُسْرِ كَعْبُ بْنُ عَمْرٍو، وَقِيلَ غَيْرُهُ
قَوْلُهُ: (إنِّي أَصَبْتُ حَدًّا) قَالَ فِي النِّهَايَةِ: أَيْ أَصَبْتُ ذَنْبًا أَوْجَبَ عَلَيَّ حَدًّا أَيْ عُقُوبَةً. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: هَذَا الْحَدُّ مَعْنَاهُ مَعْصِيَةٌ مِنْ الْمَعَاصِي الْمُوجِبَةِ لِلتَّعْزِيرِ، وَهِيَ هُنَا مِنْ الصَّغَائِرِ لِأَنَّهَا كَفَّرَتْهَا الصَّلَاةُ، وَلَوْ أَنَّهَا كَانَتْ مُوجِبَةً لِحَدٍّ أَوْ غَيْرِهِ لَمْ تَسْقُطْ بِالصَّلَاةِ، فَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْمَعَاصِيَ الْمُوجِبَةَ لِلْحُدُودِ لَا تَسْقُطْ حُدُودُهَا بِالصَّلَاةِ. وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ الْمُرَادَ الْحَدُّ الْمَعْرُوفُ، قَالَ: وَإِنَّمَا لَمْ يَحُدَّهُ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَسِّرْ مُوجِبَ الْحَدِّ وَلَمْ يَسْتَفْسِرْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إيثَارًا لِلسَّتْرِ بَلْ اسْتَحَبَّ تَلْقِينَ الرَّجُلِ صَرِيحًا انْتَهَى
وَمِمَّا يُؤَيِّدُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْجُمْهُورُ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَدِّ الْمُطْلَقِ فِي الْأَحَادِيثِ هُوَ غَيْرُ الزِّنَا وَنَحْوِهِ مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي تُوجِبُ الْحَدَّ مَا فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَوْلِهِ: " فَأَصَبْت مِنْهَا مَا دُونَ أَنْ أَمَسَّهَا " فَإِنَّ هَذَا يُفَسِّرُ مَا أُبْهِمَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ وَأَبِي أُمَامَةَ، هَذَا إذَا كَانَتْ الْقِصَّةُ وَاحِدَةً وَأَمَّا إذَا كَانَتْ مُتَعَدِّدَةً فَلَا يَنْبَغِي تَفْسِيرُ مَا أُبْهِمَ فِي قِصَّةٍ بِمَا فُسِّرَ فِي قِصَّةٍ أُخْرَى، وَتَوَجَّهَ الْعَمَلُ بِالظَّاهِرِ، وَالْحُكْمُ بِأَنَّ الصَّلَاةَ تُكَفِّرُ مَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يُوجِبُ الْحَدَّ، وَلَا شَكَّ وَلَا رَيْبَ أَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِحَدٍّ مِنْ الْحُدُودِ وَلَمْ يُفَسِّرْهُ لَا يُطَالَبُ بِالتَّفْسِيرِ وَلَا يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ إنْ لَمْ يَقَعْ مِنْهُ ذَلِكَ لِأَحَادِيثِ الْبَابِ، وَلِمَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّهَا تُدْرَأُ الْحُدُودُ بِالشُّبُهَاتِ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَعْيِينِهَا فَبِالْأَوْلَى قَبْلَ التَّفْسِيرِ لِلْقَطْعِ بِأَنَّهَا مُخْتَلِفَةُ الْمَقَادِيرِ فَلَا يَتَمَكَّنُ الْإِمَامُ مِنْ إقَامَتِهَا مَعَ الْإِبْهَامِ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا سَلَفَ مِنْ اسْتِفْصَالِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَاعِزٍ بَعْدَ أَنْ صَرَّحَ بِأَنَّهُ زَنَى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute