للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَابُ تَأْخِيرِ الرَّجْمِ عَنْ الْحُبْلَى حَتَّى تَضَعَ وَتَأْخِيرِ الْجَلْدِ عَنْ ذِي الْمَرَضِ الْمَرْجُوِّ زَوَالُهُ

ــ

[نيل الأوطار]

حَتَّى تَلِدِي فَتُرْجَمِينَ بَعْدَ ذَلِكَ. اهـ. قَوْلُهُ: (فَنَضَخَ) بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالْمُهْمَلَةِ. قَوْلُهُ: (صَاحِبُ مَكْسٍ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْكَافِ بَعْدَهَا مُهْمَلَةٌ: هُوَ مَنْ يَتَوَلَّى الضَّرَائِبَ الَّتِي تُؤْخَذُ مِنْ النَّاسِ بِغَيْرِ حَقٍّ. قَالَ فِي الْقَامُوسِ: مَكَسَ فِي الْبَيْعِ يَمْكِسُ إذَا جَبَى مَالًا وَالْمَكْسُ: النَّقْصُ وَالظُّلْمُ، وَدَرَاهِمُ كَانَتْ تُؤْخَذُ مِنْ بَائِعِي السِّلَعِ فِي الْأَسْوَاقِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَوْ دِرْهَمٌ كَانَ يَأْخُذُهُ الْمُصَدِّقُ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الصَّدَقَةِ انْتَهَى.

قَوْلُهُ: (فَصَلَّى عَلَيْهَا) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: هُوَ بِفَتْحِ الصَّادِ وَاللَّامِ عِنْدَ جُمْهُورٍ رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَلَكِنْ فِي رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبِي دَاوُد وَالطَّبَرَانِيِّ فَصُلِّيَ بِضَمِّ الصَّادِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ. وَيُؤَيِّدُهُ مَا وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد بِلَفْظِ: " ثُمَّ أَمَرَهُمْ فَصَلَّوْا عَلَيْهَا " وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ: " أَنَّهُ قَالَ عُمَرُ لِلنَّبِيِّ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيُصَلَّى عَلَيْهَا؟ فَقَالَ: لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ قُسِّمَتْ بَيْنَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَوَسِعَتْهُمْ ". قَوْلُهُ: (إلَّا وَفِي الْعَقْلِ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِ الْفَاءِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ. وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْبَابِ قَدْ قَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَى فِقْهِهَا، وَإِنَّمَا سَاقَهَا الْمُصَنِّفُ هَهُنَا لِلِاسْتِدْلَالِ بِهَا عَلَى مَا تَرْجَمَ الْبَابَ بِهِ وَهُوَ الْحَفْرُ لِلْمَرْجُومِ. وَقَدْ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ فِي ذَلِكَ، فَحَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْمَذْكُورُ فِيهِ أَنَّهُمْ لَمْ يَحْفِرُوا لِمَاعِزٍ، وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ فِيهِ أَنَّهُمْ حَفَرُوا لَهُ إلَى صَدْرِهِ.

وَقَدْ جُمِعَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ بِأَنَّ الْمَنْفِيَّ حَفِيرَةٌ لَا يُمْكِنُهُ الْوُثُوبُ مِنْهَا وَالْمُثْبَتُ عَكْسُهُ، أَوْ أَنَّهُمْ لَمْ يَحْفِرُوا لَهُ أَوَّلَ الْأَمْرِ ثُمَّ لَمَّا فَرَّ فَأَدْرَكُوهُ حَفَرُوا لَهُ حَفِيرَةً فَانْتَصَبَ لَهُمْ فِيهَا حَتَّى فَرَغُوا مِنْهُ، أَوْ أَنَّهُمْ حَفَرُوا لَهُ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ ثُمَّ لَمَّا وَجَدَ مَسَّ الْحِجَارَةِ خَرَجَ مِنْ الْحُفْرَةِ فَتَبِعُوهُ، وَعَلَى فَرْضِ عَدَمِ إمْكَانِ الْجَمْعِ فَالْوَاجِبُ تَقْدِيمُ رِوَايَةِ الْإِثْبَاتِ عَلَى النَّفْيِ، وَلَوْ فَرَضْنَا أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُرَجِّحٍ تَوَجَّهَ إسْقَاطُ الرِّوَايَتَيْنِ وَالرُّجُوعُ إلَى غَيْرِهِمَا كَحَدِيثِ خَالِدِ بْنِ اللَّجْلَاجِ، فَإِنَّ فِيهِ التَّصْرِيحَ بِالْحَفْرِ بِدُونِ تَسْمِيَةِ الْمَرْجُومِ، وَكَذَلِكَ حَدِيثُهُ أَيْضًا فِي الْحَفْرِ لِلْغَامِدِيَّةِ. وَقَدْ ذَهَبَتْ الْعِتْرَةُ إلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الْحَفْرُ إلَى سُرَّةِ الرَّجُلِ وَثَدْيِ الْمَرْأَةِ وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ إلَى أَنَّهُ لَا يُحْفَرُ لِلرَّجُلِ.

وَفِي قَوْلٍ لِلشَّافِعِيِّ أَنَّهُ إذَا حُفِرَ لَهُ فَلَا بَأْسَ، وَبِهِ قَالَ الْإِمَامُ يَحْيَى.

وَفِي وَجْهٍ لِلشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ يُخَيَّرُ الْإِمَامُ، وَفِي الْمَرْأَةِ عِنْدَهُمْ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ، ثَالِثُهَا: يُحْفَرُ إنْ ثَبَتَ زِنَاهَا بِالْبَيِّنَةِ لَا بِالْإِقْرَارِ وَالْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَأَبِي ثَوْرٍ أَنَّهُ يُحْفَرُ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ. وَالْمَشْهُورُ عَنْ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ أَنَّهُ لَا يُحْفَرُ مُطْلَقًا، وَالظَّاهِرُ مَشْرُوعِيَّةُ الْحَفْرِ لِمَا قَدَّمْنَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>